ضحى.. ضابط من شرطة دبي تحوّل آلام طفولتها إلى محطات قوة وإنجاز

ضحى أحمد
ضحى أحمد

نجحت ضحى أحمد، ضابط في شرطة دبي، في تحويل تجربة اليتم التي عاشتها إلى قصة ملهمة، وإلى حياة مهنية تجسّد الالتزام والمسؤولية، وتثبت أن الإرادة قادرة على إعادة صياغة المصير.

ولدت ضحى ونشأت بين مجموعة من الأيتام، عائلة واحدة وقلب واحد، في بيئة أحاطتها بالمحبة والرعاية، لكنها لم تلغِ أسئلة الطفولة الثقيلة: «أين أمي؟ أين أبي؟». ومع انتقالها إلى المرحلة الإعدادية، بدأت تسمع كلمة يتيمة تتردد على مسامعها، لتدرك أن المجتمع يمنح تلك الكلمة نظرات مختلفة وحكماً قاسياً أحياناً.

هذا الإدراك شكّل نقطة تحول، إذ قررت ضحى ألا تكون ضحية الظروف، بل تنهض وتتفوق. منذ طفولتها كانت قارئة نهمة وطالبة متميزة، وتستذكر بفخر يوم اختيارها لتلاوة القرآن في الإذاعة المدرسية، حين رأت في عيون معلماتها فخراً ظلّ يرافقها حتى اليوم، ومعه الوازع الديني الذي منحها ثباتاً وقوة داخلية ويقينا بأن الله يخبئ لها ما هو أجمل.

ومع الانتقال إلى الجامعة، واجهت ضحى أسئلة متكررة عن أسرتها وحياتها، لكنها تجاوزت كل ذلك بإصرار، وتخرجت ثم تزوجت وعلى أمل أن تبني أسرة مستقرة، فبعد إنجاب ابنها يونس بعام واحد، جاءها اتصال غيّر مجرى حياتها:

وفاة زوجها في حادث سير مؤسف، لم يكن الخبر صادماً فحسب، بل حمل ثِقَل الخوف بأن يعيش ابنها اليتم الذي عاشته هي، غير أن إيمانها دفعها للتماسك، لتكون القوة التي يستمد منها طفلها الصغير قوته.

وبينما كانت تبحث عن بداية جديدة، جاءت نصيحة صديقة بدخول المجال العسكري تقدمت إلى شرطة دبي، وتم قبولها، لتبدأ في 28 ديسمبر 2014 دورة في أكاديمية شرطة دبي، التي غيّرت مسار حياتها بالكامل، إذ وضعت لنفسها هدفاً واضحاً: أن تكون بين الأوائل، تحمل مسؤولية أم لطفل ينتظرها.

وتتعلم فن القيادة من ملاحظتها الدقيقة لتعامل المدربين، نبرة أصواتهم، وثقتهم بأنفسهم. وبعد فترة قصيرة، اختارها المدرب لقيادة الفصيل، في خطوة أربكتها لكنها سرعان ما حولتها إلى فرصة لإثبات ذاتها وفي يوم التخريج، وبين أصوات الأوامر العسكرية، ميّز ابنها يونس صوتها من بين عشرات الأصوات، لحظة خالدة تؤكد أن الأم القوية تُصنع في تفاصيل الحياة الصغيرة أيضاً. وفي تحدٍّ آخر، تم وضعها أمام مهمة قيادة فريق التخريج خلال أربعة أيام فقط.

ونجحت في المهمة، ثم تم اعتمادها بالأكاديمية، والتحقت بدورة إعداد المدربين، وكانت المرأة الوحيدة بين مجموعة من الرجال، لتحصد الامتياز وتصبح مدرّبة رسمية في شرطة دبي.

كبر يونس داخل أسوار الأكاديمية، يرافق والدته ويرى فيها النموذج والقدوة، ووقف لاحقاً أمام القيادات يؤدي الحركات العسكرية بثبات طفل ورث القوة من أمه، فالتفت إليه معالي الفريق عبدالله خليفة المري قائد عام شرطة دبي، وحمله وهو يؤدي القسم العسكري في لحظة غرست داخله إحساساً بالانتماء من سن مبكرة.

ومع توسّع مسؤولياتها، أصبحت ضحى مشرفة ميدانية، أول وجه يلتقيه المتدربون، يتعلمون منها معنى القوة والانضباط، ورغم ازدحام المهام، واصلت ضحى دراستها، لتحصل على درجة الماجستير في العلاقات العامة والاتصال المؤسسي بامتياز، حاملة طموحاً لا سقف له.

وفي عام 2017، كتبت الحياة فصلاً عنوانه الفرح بزواجها للمرة الثانية، حيث رزقت بابنتين، ليتسع قلبها لعائلة اكتملت، وتشكل أجمل معاني السكن والمودة.

تقول ضحى: «من وراء الألم تُبدع وتنجز، علينا ألا نستسلم للظروف». وتؤكد أن دخولها شرطة دبي كان نقطة تحول كبرى، فمنذ اليوم الأول تغيّرت شخصيتها، ونما طموحها حتى أصبح بلا حدود، مستطردة «طموحي للسماء... ولا شيء يعادل فرحتي عندما أكون بقرب أولادي».