عبدالرحمن الحارب لـ« البيان »: الرقابة المالية في دبي نموذج عالمي في الحوكمة والنزاهة

عبدالرحمن الحارب
عبدالرحمن الحارب

صلاحيات غير مسبوقة تعزز استقلالية الجهاز وقدرته على تنفيذ مهامه بكفاءة عالية

الجهاز لم يعد جهة رقابية تقليدية بل مؤسسة تعيد تعريف الرقابة بوصفها شريكاً في تحسين الأداء الحكومي

أكد عبدالرحمن حارب راشد الحارب، المدير العام لجهاز الرقابة المالية في دبي، أن المرحلة الجديدة من عمل الجهاز تمثل تحولاً نوعياً في مفهوم الرقابة، حيث لم يعد الدور مقتصراً على تتبع المخالفات بعد وقوعها، بل أصبح يستند إلى نهج استباقي يعتمد على التحليل الذكي للبيانات للكشف المبكر عن مواطن الخلل في الإنفاق العام والإدارة الحكومية، وأوضح أن هذه الرؤية تترجمها الخطة الاستراتيجية 2025 - 2028، التي تسعى إلى بناء منظومة رقابية متكاملة تضمن الشفافية والكفاءة وحماية المال العام.

وأضاف أن الجهاز سيواصل تنظيم المؤتمرات والندوات والبرامج التدريبية لتعزيز ثقافة الحوكمة، وتأهيل الكوادر الوطنية وفق أرقى المعايير الدولية، مؤكداً أن دبي تسير بثبات نحو بناء نموذج عالمي في الرقابة الذكية والإدارة الرشيدة يليق برؤيتها المستقبلية ومكانتها العالمية.

وقال إن القانون رقم (24) لسنة 2024، كان نقطة مفصلية في تطوير الإطار التشريعي للعمل الرقابي، إذ منح الجهاز صلاحيات غير مسبوقة تعزز استقلاليته وقدرته على تنفيذ مهامه بكفاءة عالية، من أبرز هذه الصلاحيات -كما أشار- حق الجهاز في اتخاذ التدابير التحفظية على الأموال والممتلكات محل المخالفة، ومنع مرتكبي المخالفات المالية من السفر، إضافة إلى إمكانية التصالح في بعض القضايا بعد استرداد المال العام بموافقة سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأول لحاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية رئيس جهاز الرقابة المالية، واعتبر أن هذه التعديلات القانونية استحدثت آليات تمكن الجهاز من تعزيز نطاق المساءلة وتفعيل أدوات الردع والإنصاف في آن واحد لحماية المال العام.

ثقافة عمل

وأضاف أن القانون استحدث كذلك نظام الحماية الوظيفية للمبلغين عن المخالفات المالية والإدارية، وهو ما وصفه بأنه «نقلة في ثقافة العمل الحكومي»، حيث يضمن للموظف الذي يبلغ عن أي مخالفة حماية تامة من أي إجراءات من شأنها الإضرار بوضعه الوظيفي، وأكد أن هذا النظام، الذي وجه بإطلاقه سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأول لحاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية رئيس جهاز الرقابة المالية، يجسد مقولة سموه الشهيرة: «دبي تصون من يصون الأمانة وتحمي من يحميها ولا تنسى المخلصين»، وأشار عبدالرحمن حارب إلى أن هذه الخطوة عززت الثقة في منظومة الرقابة، ورفعت مستوى الوعي وروح المسؤولية لدى الموظفين بأهمية الإبلاغ عن المخالفات.

وأوضح المدير العام أن جهاز الرقابة المالية لم يعد جهة رقابية تقليدية، بل مؤسسة تعيد تعريف الرقابة بوصفها شريكاً في تحسين الأداء الحكومي، وأضاف أن الجهاز يقدم اليوم خدمات استشارية متخصصة في إدارة المخاطر والحوكمة المؤسسية والتدقيق الداخلي، بما يساعد الجهات الحكومية على بناء أنظمة رقابة ذاتية فعالة، وأكد أن هذه المنهجية تخلق توازناً بين الدور الرقابي والدور التنموي، فالمساءلة ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لتعزيز كفاءة الإدارة العامة وضمان الاستخدام الأمثل للموارد، وقال: «نحن لا نمارس الرقابة بوصفها سلطة محاسبة فقط، بل كأداة تطوير وتحسين مستمر للأداء المؤسسي».

تقييم وتنبؤ

وحول الخطة الاستراتيجية المعتمدة لدى الجهاز، أوضح عبدالرحمن حارب أنها تقوم على أربع ركائز مترابطة تمثل الإطار العام للعمل خلال السنوات الأربع المقبلة: الاستجابة لتوقعات أصحاب المصلحة من خلال تعزيز الشفافية والامتثال، وتقديم خدمات ذات قيمة مضافة عبر بناء الشراكات الفاعلة مع الجهات المحلية والدولية، وتطوير الموارد البشرية عبر استقطاب الكفاءات وتنمية المهارات، وأخيراً التحول الرقمي والابتكار لضمان استدامة الأعمال وأمن المعلومات، وأكد أن هذه الركائز تهدف إلى جعل الجهاز مؤسسة رقمية بالكامل تعتمد على البيانات في اتخاذ القرار وعلى الذكاء الاصطناعي في التقييم والتنبؤ بالمخاطر.

منصات

وفي إطار التحول الرقمي كشف المدير العام أن جهاز الرقابة المالية عن توسع الجهاز في تطبيق مفهوم «التدقيق الذكي» الذي يعتمد على تحليل البيانات وفي طور تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراجعة العمليات المالية، وقال إن هذه المنهجية أحدثت نقلة نوعية في سرعة وكفاءة التدقيق، إذ أصبح بالإمكان تحليل آلاف العمليات في وقت قياسي واستخلاص الأنماط غير الطبيعية التي قد تشير إلى خلل أو تجاوز، كما أشار إلى أن الجهاز أطلق منصة رقمية متقدمة تحت اسم «المؤشر»، تتيح للجهات الخاضعة للرقابة الاطلاع على نتائج التدقيق والملاحظات عبر لوحة بيانات تفاعلية تمكن مديري العموم وصناع القرار من متابعة خطط العمل والإجراءات التصحيحية بشكل لحظي.

تطوير الأداء

أما على صعيد مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة، فقد أكد أن منصة «نزاهة» التي أطلقها الجهاز باتت من أهم الأدوات التي تجسد العلاقة التشاركية بين الحكومة والمجتمع، وقال إن المنصة المخصصة لتلقي البلاغات عن المخالفات المالية والإدارية من موظفي الجهات الخاضعة والمتعاملين والموردين، أثبتت فاعليتها في الكشف المبكر عن التجاوزات وحماية المبلغين ضمن بيئة مؤمنة وسرية، وأضاف أن الإقبال المتزايد على المنصة يعكس ارتفاع الوعي لتعزيز المسؤولية والمساءلة، ويؤكد نجاح دبي في ترسيخ ثقافة التبليغ كقيمة إيجابية تسهم في تطوير الأداء.

معرفة تشاركية

وعلى صعيد التعاون المؤسسي أوضح عبدالرحمن حارب أن الجهاز يعمل على تعزيز الشراكة المحلية والدولية في المجال الرقابي، من خلال توقيع مذكرات تفاهم مع محاكم دبي والنيابة العامة وجهاز التفتيش القضائي، وذلك لتوحيد الجهود في سرعة البت في القضايا وتحقيق العدالة الناجزة، كما أشار إلى أن الجهاز بصدد توسيع نطاق لتبادل الخبرات وتبني أفضل الممارسات في مجالات الحوكمة والمساءلة، وقال إن هذه الشراكة تعد جزءاً أساسياً من محور «أداء خدمات ذات قيمة مضافة» ضمن الخطة الاستراتيجية، مؤكداً أن المعرفة التشاركية هي الضمان الحقيقي لاستدامة النزاهة.

نضج الحوكمة

وحول قياس النجاح أوضح أن الجهاز لا يقيس أداءه فقط بحجم الأموال المستردة، بل بمستوى نضج الحوكمة والامتثال والشفافية داخل الجهات الخاضعة، لافتاً إلى أن استرداد المال العام هو نتيجة طبيعية لمنظومة رقابة فعالة وليس غاية بحد ذاته، وقال إن الهدف الأسمى هو الوصول إلى بيئة حكومية لا تسمح بحدوث المخالفة من الأساس.

وأكد عبدالرحمن حارب أن حماية المال العام مسؤولية جماعية تبدأ من وعي الموظف وتنتهي بثقة المجتمع، مشدداً على أن النزاهة ليست نصاً قانونياً، بل ثقافة تبنى بالقدوة والثقة، وقال إن الرقابة في دبي لم تعد حائط صد أمام الأخطاء، بل جسر ثقة بين الحكومة والمجتمع، ومنظومة قيمية تجعل من الشفافية قاعدة لا استثناء.