شاب يصعد من قاع الإدمان إلى قمة الإرادة

يخطو الشاب راشد بثقة في دروب الحياة، حتى باغته الظلام في عمر السابعة عشرة، حينما أسقطته رفقة الجيران في مستنقع الإدمان، فترك مقاعد الدراسة، وتاه في دوامة المخدرات، لتبدأ رحلة طويلة من الألم، خلف جدران السجون في وقت كان أمل أسرته أن يكون بصفته الابن الأكبر قدوة لإخوته ونبراساً لعائلته.

تبعثرت أحلام والديه، لكنها لم تندثر، ففي لحظة مواجهة مع الذات، قرر راشد أن يكون سيد قدره، وأن ينتشل نفسه من هوة الضياع، ويعيد الأمل إلى قلب أمه وأبيه، فحمل ندمه وأمله وتوجه إلى مركز «إرادة» للعلاج والتأهيل في دبي، مدركاً أن القرار الصعب يحتاج إلى عزيمة لا تعرف الانكسار.

لم تكن طرق التعافي مفروشة بالورد، فالعقبات كانت كثيرة، وأشدها قسوة أن إخوته صاروا يتعاطون أمام عينيه في الغرفة ذاتها بالمنزل، وكأن البيئة كلها تتآمر عليه ليبقى أسيراً للعادة، زاد من محنته أنه كان عاطلاً عن العمل، لا يملك حتى ثمن مواصلاته اليومية إلى المركز.

لكن راشد لم يرفع راية الاستسلام، وأطلق العنان لإرادته، وأصر على أن يبتكر حلاً من رحم الحاجة، دون اللجوء إلى أي وسيلة أخرى يوفرها له الأهل أو المجتمع، ليعاقب نفسه ويعودها على التعب حتى الوصول إلى الهدف، فبدأ يجمع عبوات الماء الفارغة، ويقف أمام آلة إعادة التدوير منذ السابعة صباحاً، ليضع كل عبوة بيده، حتى جمع أخيراً 45 درهماً، ثمن تذكرة عبوره إلى الأمل.

ويقول راشد: «أدركت أن الأمر يحتاج إلى إرادة حقيقية، وأنا مدين لمركز إرادة للعلاج والـتأهيل لدعمهم المستمر لي».

وحين وصلت قصته إلى مسامع المختصين في المركز، لم يترددوا في ضمه إلى قائمة المستفيدين من الدعم الاجتماعي لديهم، ليواصل علاجه ويستعيد حياته، حيث يوفر المركز الدعم ويلعب دوراً محورياً في تعزيز استدامة التعافي، مجموعة من الخدمات الاجتماعية التي تشمل تسديد متأخرات الإيجار وفواتير الكهرباء والمياه، وتوفير استشارات قانونية والترافع أمام القضاء، إلى جانب تغطية رسوم مدارس الأبناء وتقديم بطاقات دعم للحاجات الأساسية، كبطاقات للجمعيات التعاونية وبطاقات دعم البترول.

وحسب ملفات المركز تعد قصة راشد اليوم ليست مجرد سيرة شاب ضل الطريق، بل هي قصيدة في معنى الإرادة، ودليل حي على أن التغيير ممكن، وأن من يملك العزيمة، يستطيع أن ينتصر على أقسى الظروف، حتى وإن بدأت الرحلة بعبوة ماء فارغة.