"اليقظة الرقمية" أزمة أولياء الأمور مع العودة إلى المدارس

محمود لطوف
محمود لطوف

مع عودة المدارس في السنة الدراسية 2025/2026، يزيد تعلق الأطفال بالأجهزة اللوحية والكمبيوتر بفضل التطور التكنولوجي والذي جعل الكثير من المناهج تفاعلية وتتطلب دخول الأطفال على الأجهزة اللوحية والإنترنت، لتأتي التساؤلات عند أولياء الأمور.. هل هذه الأجهزة آمنة على الأطفال؟ كيف يأمن الأطفال من الهجمات السيبرانية واللينكات المشبوهة والاختراقات، التي أصبحت آفة من آفات الإنترنت والأجهزة الذكية في العموم؟

في حقيقة الأمر، فمراقبة الأهالي تعتبر خط الدفاع الأول لحماية الأطفال، تلك المراقبة التي لا غنى عنها، مهما انتشرت برامج الحماية أو التدابير التقنية، لتأتي بعد ذلك تلك التدابير لتزيد من حماية الطفل، مثلما يقول محمود لطوف، مهندس حلول في Help AG: تتطلّب حماية الأطفال من التصيّد الإلكتروني والروابط الإلكترونية الخبيثة نهجًا متكاملاً يجمع بين التوعية، والتدابير التقنية، والإشراف المباشر من قِبَل الأهل.

وأضاف لطوف: أوّلًا، يُعدّ تعزيز الوعي الرقمي لدى الأطفال وإطلاعهم مبكرًا حول مفاهيم الأمان الإلكتروني خطوة أساسية في حمايتهم. ويمكن تبسيط هذه المفاهيم عبر ربطها بمواقف حياتية مألوفة، مثل القول: "مثلما لا تتحدث مع الغرباء في الحياة الواقعية، فلا تفعل ذلك على الإنترنت." هذا التشبيه يُساهم في تقريب المفاهيم التقنية المتعلّقة بالأمن الرقمي من الطفل. كما ينبغي تشجيع الأطفال على التحقّق من هوية مُرسلي الرسائل وطلبات المتابعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم التفاعل معها قبل التأكّد من مصدرها، وثانيًا، بالإضافة إلى التوعية، من الضروري أن يستفيد أولياء الأمور من الأدوات التقنية المتاحة لتعزيز الحماية الرقمية، مثل أنظمة تصفية المحتوى (web filtering)، وبرامج مكافحة الفيروسات، وتطبيقات الرقابة الأبوية ( parental control)، ولا تقتصر أهمية برامج الرقابة الأبوية على الحماية فقط، بل تُتيح أيضًا للأهل متابعة استخدام الأطفال للإنترنت بشكل يومي.

كما يُشدّد خبراء التكنولوجيا على ضرورة تحديث أجهزة الأطفال باستمرار، بما في ذلك أنظمة التشغيل والمتصفّحات، لضمان تصحيح الثغرات الأمنية والاستفادة من أحدث ميزات الحماية.

المصادقة متعددة العوامل

ويؤكد لطوف أن المصادقة متعدّدة العوامل (Multifactor Authentication) تعد خطوة بالغة الأهمية في تأمين الحسابات الرقمية، حيث تُضيف طبقة حماية تُعيق محاولات الوصول غير المصرّح به، وتُشكّل شبكة أمان في حال فشلت إجراءات الحماية الأولية.

ويتعرض الأطفال عبر الإنترنت إلى جانب التصيّد الإلكتروني والروابط الإلكترونية الضارّة، إلى مخاطر أخرى متنوّعة في الفضاء الرقمي، وتُعدّ البرمجيات الخبيثة وهجمات "الفدية" الإلكترونية من أبرز هذه التهديدات، حيث يمكن التتسلّل إلى الأجهزة من خلال ملفات مصابة أو عند تنزيل ملفّات وبرامج غير آمنة. هذه الملفات قد تبدو غير ضارّة للوهلة الأولى، فإنّها قد تحتوي على برامج خبيثة قادرة على اختراق الأجهزة، وسرقة المعلومات الحسّاسة، أو حتّى طلب فدية مالية لإعادة الوصول إلى البيانات.

ولا يقلّ التنمّر الإلكتروني والمضايقات عبر الإنترنت خطورةً عن التهديدات التقنية الأخرى، إذ قد يصادف الأطفال أقرانًا يتصرّفون بسلوك مؤذٍ أو عدائي، ما ينعكس سلبًا على حالتهم النفسية وثقتهم بنفسهم. إلى جانب ذلك، يُحتمل أن يتعرّض الأطفال إلى المعلومات المضلّلة أو محاولات التلاعب بالمشاعر، وهي أمور قد تؤثّر في آرائهم وتوجّهاتهم وحتّى استقرارهم العاطفي.

مخاطر الخصوصية

كما تبرز مخاطر الخصوصية بوصفها تحدّيًا متكرّرًا، خصوصًا عندما يفرط الأطفال في المشاركة بمعلوماتهم الشخصية، ما يجعلهم عُرضة لسرقة الهوية أو الاستغلال من قِبل جهات غير موثوقة.

وقال محمود لطوف، مهندس حلول في Help AG: لا يُمكننا أن نغفل أيضًا عن مشكلة التعرّض للمحتويات غير اللائقة، سواء من خلال مقاطع الفيديو أو المواقع الإلكترونية أو منصّات التواصل الاجتماعي، وهو ما قد يُعرّض الأطفال لمشاهد أو معلومات لا تتناسب مع أعمارهم. كما يُحذّر الخبراء من الحِيل الخطرة والمعروفة بـ"الأنماط المُضلِّلة" في تصميم بعض ألعاب الإنترنت، وهي أساليب خفيّة تهدف إلى التلاعب بتفاعل الطفل مع اللعبة، وقد تؤدّي إلى عمليات شراء غير مقصودة أو استخدام مفرط للأجهزة، وصولًا إلى سلوكيات تُلامس حدّ الإدمان.

واعتبر لطوف أن شبكات الواي فاي غير الآمنة تُشكّل خطرًا حقيقيًا على خصوصية البيانات وسلامة الأجهزة، ما يُبرز الحاجة الملحّة إلى اتّباع ممارسات رقمية آمنة، والحرص على استخدام اتصالات موثوقة ومحمية أثناء التصفّح أو الوصول إلى المحتوى الرقمي.

وأضاف لطوف أن المدارس ومزوّدو التكنولوجيا يلعبون دورًا محوريًا في ضمان السلامة الرقمية للأطفال، إذ تقع على عاتقهم مسؤولية وضع سياسات صارمة للأمن السيبراني وتنفيذ إجراءات حماية فعّالة، بما يضمن حماية أجهزة الطلبة وبياناتهم وتفاعلاتهم الرقمية من أي تهديدات محتملة.

الإجراءات التقنية وحدها لا تكفي

وقال لطوف: الإجراءات التقنية ربما لا تكفي، وينبغي على المدارس ومزوّدي التكنولوجيا أن يوفّروا برامج توعية وتدريب حول الأمن السيبراني، تستهدف كلًّا من الأطفال وأولياء أمورهم. فمثل هذه المبادرات تُسهم في تمكين العائلات من التعرّف إلى المخاطر الرقمية، واعتماد سلوكيات آمنة على الإنترنت، والتعامل بفعالية مع التهديدات عند وقوعها. كما يُعدّ اعتماد منصّات تعليمية رقمية آمنة ومتوافقة مع معايير الخصوصية خطوة أساسية لضمان حماية معلومات الطلبة الشخصية أثناء استخدامهم لأدوات التعلّم عن بُعد، ولا بدّ من التعاون بين المدارس ومزوّدي التكنولوجيا وأولياء الأمور لتهيئة بيئة تعليمية آمنة في الفضاء الرقمي. ومن خلال هذا التكامل، يمكن تعزيز العادات الرقمية السليمة، ومتابعة نشاط الأطفال على الإنترنت بطريقة مناسبة، وبناء ثقافة وعي رقمية تُساعدهم على خوض العالم الرقمي بثقة وأمان.

إنّ التوفيق بين الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة وضمان سلامة الأطفال في العالم الرقمي يتطلّب نهجًا متكاملًا يجمع بين التعليم، واستخدام الأدوات الذكية، والحوار المستمر داخل الأسرة.

ويُعدّ إدماج مفاهيم التوعية الرقمية في الحياة اليومية خطوة أساسية، إذ يُساعد الأطفال على فهم التهديدات الإلكترونية وبناء سلوكيات آمنة أثناء استخدام الإنترنت، فتُصبح السلامة الرقمية سلوكًا طبيعيًا متجذّرًا في عاداتهم، لا مجرّد ردّ فعل ظرفي.

كما أنّ استخدام أدوات تكنولوجية آمنة وخاضعة للمراقبة لا يقلّ أهميةً عن التوعية. ويشمل ذلك اختيار المنصّات والتطبيقات التي تضع خصوصية المستخدم وأمنه الرقمي في صدارة أولوياتها، مع إتاحة المجال للأهل والمربّين لمتابعة استخدام الأطفال بشكل فعّال. ومن الضروري أيضًا تحديث البرامج وإعدادات الأمان بشكل دوري، لضمان حماية الأجهزة من التهديدات الرقمية المتطوّرة، والحدّ من الثغرات التي قد تُستغل من قِبل جهات خبيثة.

ويكتمل هذا التوازن من خلال الحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة مع الأطفال حول أنشطتهم الرقمية، ويقول محمود لطوف إنه حين نشجَّع الطفل على مشاركة تجاربه وتساؤلاته ومخاوفه، نكون قد بنينا جسرًا من الثقة المتبادلة، يُمكّن الأهل والمعلّمين من توجيهه بشكل سليم خلال رحلته في العالم الرقمي، مع ضمان استفادته من مزايا التكنولوجيا في التعليم والترفيه، ضمن بيئة آمنة وصحية.