40 مليار دولار خسائر يتسبب فيها «التزييف العميق» بنهاية 2027

إذا وجدت نجمك المفضل، سواء في الفن أو في الإعلام أو في الرياضة أو في المال والأعمال، يتفوه بألفاظ نابية صوتاً وصورة، أو يهاجم سياسة بلد ما وينشر الأكاذيب، فلا تنزعج أو تنصدم أو تتسرع في الحكم، لأن ليس كل ما تسمعه أو تراه يكون صحيحاً، فقد يكون أحد نماذج «التزييف العميق» المرتبط بالاستخدام السيئ للتكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، وتوظيفها لتزوير الحقائق، والإساءة إلى الآخرين سواء كانوا أفراداً أو مجتمعات أو مؤسسات أو دولاً لدوافع مغرضة.

وبحسب شركة الاستشارات العالمية «ديوليت»، فقد قدرت الخسائر المرتبطة بالتزييف العميق عالمياً بـ 12 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتجاوز 40 مليار دولار بنهاية 2027، كما بيّن تقرير لجامعة ستانفورد أن 87 % من الجمهور يعترفون بأنهم يجدون صعوبة في التمييز بين الفيديوهات الحقيقية والأخرى المزيفة. فيما عبر 65 % من الصحفيين حول العالم عن مخاوفهم من استخدام صورهم أو أصواتهم في فيديوهات مزيفة..

وبمقدور تقنيات «التزييف العميق» إنتاج فيديوهات مزيفة تُحاكي الملامح والصوت بدقة متناهية، وهذا الأمر لم يعد يقتصر على خداع المتلقي، بل أصبح الإعلامي نفسه مهدداً بأن يُستخدم اسمه وصورته لنشر ما لم يقله. وهذا ما قاله الإعلامي خيري رمضان: «فكرة الحماية باتت صعبة، حتى بوجود تشريعات وقوانين، لأن التهديد لم يعد يأتي فقط من داخل الدولة، بل يمكن أن يأتي من أي مكان في العالم. وبالتالي، يصعب أحياناً الوصول إلى من يقف وراء هذا التزييف. هنا تكون قضيتنا الأساسية هي الوعي والثقافة، والجمهور بحاجة إلى أن يُدرَّب على عدم تصديق كل ما يراه أو يسمعه فوراً، بل يجب أن يكون هناك تحقق، وتأكيد، وتوثيق لأي معلومة أو مقطع يُتداول».

وأضاف: «أنا شخصياً قد أجد نفسي فجأة متهماً في قضية، أو منسوباً إليّ تصريح سياسي غير حقيقي، يؤثر في سمعتي المهنية. والحقيقة أن التشريعات الحالية للوقوف في وجه هذا التزييف الخطير غير كافية، لذا نحتاج إلى قوانين دولية صارمة، تعاقب كل من يستخدم الذكاء الاصطناعي لتزييف محتوى يضر بالآخرين. وعلى مجتمعاتنا دور كبير في التنوير والتعليم والتوعية، ولأنها تميل إلى التصديق السريع، فإن هذا يجعلها أكثر عرضة لخطر التزييف. أستطيع أن أقول: «إن الإعلاميين كانوا دائماً معرضين لهذه المخاطر، لكنهم اليوم أصبحوا أمام تهديد أخطر بكثير بسبب تطور هذه التقنيات».
تشريعات مرنة

الإعلامي فيصل بن حريز يرى أن مثل هذه الظواهر لا يمكن محاربتها فقط بالقوانين، ولا حتى بالتكنولوجيا، بل إن أهم وسيلة للحماية هي الوعي، إذ يجب أن يكون هناك وعي حقيقي لدى الأفراد؛ وعي بالصوت، بالصورة، وبكيفية التمييز. ولا تزال هناك قدرة بشرية على التفريق، لكن المشكلة أن كثيرين لا يستخدمونها.

وأضاف بن حريز: «نحن لا نتحدث فقط عن تشويه سمعة أو تضليل إعلامي، بل إن الأمر قد يصل إلى تهديد الأمن الوطني؛ فالفيديوهات المُزيفة تُستخدم في الابتزاز، والجرائم الإلكترونية، وزعزعة الثقة بالمحتوى الرقمي، وحين لا يعرف الشخص إن كان ما يراه حقيقياً أم لا، يبدأ الشك، ويصبح كل شيء محل تساؤل، وهنا تبدأ التحديات الأخلاقية والقانونية الكبرى.

تجربة شخصية

وروت الإعلامية ريم بساطي تجربتها الشخصية، قائلة: «تعرّضتُ شخصياً لهذا الأمر، وتضررت منه بالفعل، حيث استخدم أحدهم صوتي وصورتي، فظهرت وكأنني أنا المتحدثة، على الرغم من أنها لم تكن حقيقية. ومنذ ظهرت تقنية التزييف العميق بدأ كثير من الناس، خصوصاً المشاهير والعاملين في المجال الإعلامي، يتعرضون للاستغلال، سواء في تزييف الحقائق أو حتى في الإعلانات التجارية».

وأضافت: «حتى الآن لا توجد جهة واحدة قادرة على إيقاف هذا التلاعب بشكل كامل. البعض يستغل هذه التقنية في نشر إعلانات كاذبة، أو ادعاء تقديم منح أو أموال باسم شخصيات معروفة، ما يجعلني أضطر في كثير من الأحيان إلى الخروج والتوضيح عبر حساباتي»، ولهذا فمن الضروري أن نمتلك جميعاً الوعي الكافي الذي يساعدنا على التمييز، ويدفعنا إلى السؤال والتحري والتأكد من مصدر المحتوى قبل تصديقه أو تداوله.

في مواجهة الكذب

من جانبه قال الإعلامي رامي رضوان: «يجب توعية الجماهير حتى يصل الناس إلى قناعة بأن ليس كل ما يرونه حقيقياً.

كنا نقول سابقاً: «ليس كل ما تسمعه تصدقه»، أما الآن فنقول: «ليس كل ما تراه حقيقياً». علينا تشكيل الوعي الجماعي لدى الجمهور، لأن سهولة تزييف أي شيء اليوم يجب أن تجعل الناس يضعون احتمالاً دائماً بأن ما يشاهدونه قد يكون غير حقيقي.