سوريا والانفتاح الأمريكي.. فرصة ذهبية للتعافي

لقاء ترامب والشرع في السعودية سرع طي صفحة العقوبات
لقاء ترامب والشرع في السعودية سرع طي صفحة العقوبات

حرّكت الإجراءات الأمريكية في ملف العقوبات، المياه الراكدة في القضية السورية، لا سيما بعد الإعلان التاريخي عن تعليق العمل بأخطر هذه العقوبات، وهو قانون قيصر، لمدة 180 يوماً، وتبع ذلك إصدار وزارة الخزانة الأمريكية الرخصة العامة رقم 25، التي فتحت الباب أمام سلسلة من التدابير الهادفة إلى تخفيف القيود الاقتصادية المفروضة على سوريا.

هذه الخطوة، التي وصفت في بعض الأوساط، بأنها أول مؤشّر عملي لتحوّل في السياسة الأمريكية تجاه دمشق، أعادت إلى الواجهة مسألة إعادة الإعمار، وفرص التعافي الاقتصادي، بعد أكثر من عقد من العزلة والعقوبات.

لكن، ورغم ما قد توحي به هذه الإجراءات من انفراج، فإن حجم التحديات التي تواجه الحكومة السورية تضاعف.

فبعد اليوم، لم يعد بالإمكان تعليق الأداء الاقتصادي على العقوبات وحدها.

إذ إن تعليق قانون قيصر، الذي كان يعتبر من أبرز العوائق أمام أي انفتاح اقتصادي أو استثمار خارجي، أزال الحاجز الأكبر أمام إعادة تنشيط النظام المصرفي، واستقطاب رؤوس الأموال، وهو ما يعني عملياً، أن الحكومة باتت في موقع المطالبة بنتائج ملموسة على الأرض.

خلال مهلة الـ 180 يوماً، ستكون الحكومة السورية أمام اختبار: هل تستطيع الاستفادة من هذه الفرصة الاستثنائية لجذب الاستثمارات العربية والإقليمية، والأمريكية أيضاً، بعد أن أبدت واشنطن استعداداً لمواكبة تحولات جدية في سوريا، بخطوات اقتصادية مرنة، وهو ما بدا واضحاً في تصريحات المبعوث الأمريكي الجديد إلى سوريا، توم باراك، الذي وصف اجتماعه مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في إسطنبول، بأنه «تاريخي»، مؤكداً أن الجانبين اتفقا على «طي صفحة العقوبات»، وفتح صفحة جديدة من التعاون في مجالي الاستثمار والتنمية.

ووصف باراك هذه المرحلة، بأنها «تسويق عالمي لسوريا جديدة»، وهو وصف يعكس تحوّلاً في الخطاب الأمريكي الرسمي، ويمهّد لمقاربة اقتصادية تعوّل على الاستثمار كأداة لتثبيت الاستقرار وخلق حوافز سياسية.

وإن كانت الشركات الأمريكية لن تندفع فوراً إلى السوق السورية، إلا أن قبول بعضها العمل فيها، حتى بحصص رمزية، يشكل إشارة قوية لبقية المستثمرين الإقليميين والدوليين، بأن سوريا عادت إلى الخريطة الاقتصادية.

عودة التوترات

غير أن هذا الانفتاح الاستثماري لا يزال هشاً.

فأخطر ما يمكن أن يهدد هذه الفرصة، هو عودة التوترات الأمنية والصدامات الداخلية، لا سيما في ظل هشاشة البنية الأمنية في بعض المناطق، واستمرار التباينات بين مكونات الحكم الجديد، ووجود قوى إقليمية لا تزال تنظر بقلق إلى احتمالات استعادة دمشق مكانتها.

وعلى الأرض، لا يمكن لمشروعين أو ثلاثة، حتى لو تجاوزت استثماراتها المليارات، أن تعالج الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد.

فالأرقام الواردة من المؤسسات الدولية، تصف المشهد الاجتماعي والاقتصادي في سوريا، بأنه «مفزع».

ففي قطاع الزراعة، وهو الركيزة الأساسية للأمن الغذائي السوري، تعاني البلاد من أسوأ موسم منذ قرن، بفعل سنوات متواصلة من انحباس المطر، وتراجع الدعم الحكومي، ما أدّى إلى انهيار إنتاج السلع الاستراتيجية، مثل القمح والشعير والقطن.

وهو ما يضع الفلاح السوري أمام كارثة، ما لم يتم دعمه بتعويضات عاجلة وبرامج إنقاذ شاملة.

اتساع الفقر

أما على المستوى الإنساني، فبعد أكثر من 12 عاماً من الحرب، أصبح أكثر من 90 % من السوريين تحت خط الفقر، بينما تجاوز عدد النازحين داخلياً 7.5 ملايين شخص، ولجأ أكثر من ستة ملايين إلى الخارج، في أكبر موجة لجوء شهدها القرن الحالي، بعد الحرب العالمية الثانية.

وتقدّر الأمم المتحدة أن نحو 16.5 مليون سوري بحاجة إلى الحماية والمساعدات الإنسانية، في حين يعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي، ويواجه قرابة ثلاثة ملايين شخص خطر المجاعة الحادة.

في ظل هذه التحديات، فإن إعادة الإعمار، لا يمكن أن تكون مجرد عنوان سياسي، بل هي ضرورة وجودية، لضمان بقاء المجتمع السوري، واستعادة قدرته على الإنتاج.

وتعليق العقوبات ليس نهاية الطريق، بل بدايته، وهو اختبار مزدوج، لتحويل الانفتاح إلى إنجاز فعلي، ويحتاج ذلك إلى مواكبة القوى الإقليمية والدولية لدعم هذا التحول في المشهد السوري.