اتفاق السويداء.. تسوية محلية ورسائل إقليمية

سوريا تراهن على اتفاق مستدام في السويداء
سوريا تراهن على اتفاق مستدام في السويداء

أثمرت جهود الدبلوماسية السورية خلال الأسابيع الماضية عن اتفاق مصالحة في السويداء بدعم أمريكي–أردني، يتضمن سحب القوات الثقيلة من جنوب سوريا ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات، خلال أحداث السويداء التي شهدت مقتل أكثر من 1500 شخص، معظمهم مدنيون. هذا الاتفاق جاء ليغلق ثغرة أمنية كبيرة جنوب سوريا كانت تمثل نافذة تتدخل منها إسرائيل في الشؤون السورية.

حيث لم يبدِ الإسرائيليون موقفاً واضحاً من الاتفاق رغم أن المبعوث الأمريكي، توم باراك، ووزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، حرصاً على الخروج بصيغة تضمن استقراراً طويل الأمد وإعادة الثقة بين الأطراف المحلية في السويداء وحكومة دمشق.

رغم وضوح بنود الاتفاق، التي ترتكز على ما يشبه اللامركزية الإدارية للسويداء –حتى لو لم تسمها بالاسم– فإن الإشكال القادم قد يتمثل في أن الأطراف المحلية في السويداء لم تكن ممثلة في الاتفاق بشكل مباشر.

ورغم الجهود الدبلوماسية لم يلقَ الاتفاق أي ترحيب من الجهات المحلية المسيطرة في السويداء، هذا الرفض قد يشير إلى تحديات مقبلة في تطبيق الاتفاق على الأرض، ما يستدعي اتصالات مع القوى المحلية في مراحل لاحقة لتأمين استدامة التهدئة ومنع انهيارها عند أول اختبار.

ولا شك أن خريطة طريق التهدئة التي أعلنها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، تحمل أبعاداً تتجاوز الوضع المحلي في السويداء، ومن الممكن أن تصبح مرحلة ضمن تفاهمات شاملة قد تستكمل في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. هناك توقعات بالإعلان عن اتفاقيات سورية–إسرائيلية لتنظيم العلاقة بين الطرفين، خاصة مع استمرار التوغلات الإسرائيلية جنوب سوريا وجنوب غرب دمشق.

هذا يعني أن الاتفاق ليس مجرد ترتيبات أمنية محلية، بل جزء من مقاربة أوسع تعيد إسرائيل إلى الالتزام باتفاقيات فض الاشتباك الموقعة عام 1974، وربما تؤسس لتفاهمات جديدة تضبط قواعد الاشتباك وتقلص الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر.

تأتي هذه التطورات في وقت تحاول فيه دمشق استعادة سيادتها الكاملة على الجنوب، فيما تعمل واشنطن وعمّان على ضمان أن لا يؤدي ذلك إلى خلق فراغ أمني قد تستغله إسرائيل أو جماعات متطرفة. الاتفاق يمكن أن يشكل اللبنة الأولى في إعادة تشكيل المشهد الجنوبي السوري، بحيث يجمع بين الاستقرار الداخلي وتقليص مساحة التدخلات الخارجية.

ورغم أهمية الاتفاق فإن نجاحه مرهون بقدرة الأطراف المحلية والدولية على تحويله إلى واقع مستدام.

التحدي الأكبر سيكون في إقناع القوى المحلية في السويداء بأن الاتفاق يخدم مصالحها، وفي ضبط الانتهاكات الإسرائيلية جنوب البلاد، وإذا ما نجح هذا النموذج فقد يصبح مقدمة لتفاهمات أوسع تشمل الجنوب السوري كاملاً وربما تمهد لحوار إقليمي أعمق حول مستقبل الحدود السورية–الإسرائيلية.