ففي الأيام الأخيرة استقبلت دمشق وفوداً اقتصادية عربية ودولية، في مؤشر إلى رغبة حقيقية لدى عدد من العواصم في إعادة إدماج سوريا ضمن المسار الإقليمي، ومساعدتها على تجاوز إرث الحرب الطويلة والعقوبات والحصار.
غير أن هذا المناخ – كالعادة – ربما يستثير إسرائيل، إذ جاءت الغارات الإسرائيلية المكثفة على مواقع في حمص والساحل السوري ومناطق أخرى وتوغل أمس الاحتلال الإسرائيلي في بلدتي جباتا الخشب وأوفانيا بريف القنيطرة الشمالي مصحوبة بآليات عسكرية محملة بالجنود وتنفذ عمليات تفتيش وانتشار على بعض أسطح المنازل وسط تحليق منخفض للمسيرات واعتقال 4 شبان لتعيد مشاهد الانفجارات والنيران، وتلقي بظلال قاتمة على آمال النهوض الاقتصادي.
هذا البعد الإقليمي يفسر جزئياً سرّ الإصرار الإسرائيلي على التصعيد في لحظة سياسية حساسة، إذ اختارت تل أبيب الضرب في وقت يتحدث فيه عن اتفاق شبه مكتمل للتهدئة يُتوقع الإعلان عنه في نيويورك خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر بين دمشق وتل أبيب.
وبذلك، بدا أن الأولوية الإسرائيلية لا تزال تتمثل في تحقيق مكاسب أمنية «عاجلة»، وحتى لو كان الثمن تعطيل تفاهمات بعيدة المدى قد تضمن استقراراً إقليمياً أشمل.
رغم ذلك، الرسالة الإسرائيلية واضحة للزعم بأن المناخ الاستثماري في سوريا هشّ، وأن أي محاولات لإخراجها من دائرة الحرب قد تُصاب بالشلل عند أول تصعيد عسكري. هنا، يصبح الهدف الإسرائيلي مزدوجاً:
إضعاف القدرات العسكرية والأمنية السورية من جهة، وتبديد الثقة الدولية بإمكان تحويل سوريا إلى بيئة آمنة للاستثمار من جهة ثانية.
فبينما تسعى القوى العربية إلى إدماج سوريا في منظومة استقرار اقتصادي – سياسي جديد، تعمل إسرائيل على إبقاء البلد في حالة توتر، إدراكاً منها أن أي استقرار طويل الأمد قد يعزز مكانة دمشق الإقليمية ويمنحها هامشاً أوسع للمناورة. في المقابل، تبدو القوى الكبرى مترددة في التدخل المباشر، مكتفية بمراقبة توازنات هشة على الأرض السورية قد تنفجر في أي لحظة.
إما الاستمرار في محاولة بناء واقع اقتصادي جديد رغم النيران، أو الانكفاء إلى مربع الانتظار حتى تتضح ملامح التفاهمات الإقليمية والدولية.
وفي الحالتين، يبقى حاضر سوريا مرتهناً بقدرتها على الصمود في وجه الغارات، وبمدى استعداد القوى العربية والدولية للمضي قدماً في دعمها رغم كل العوائق، ففي النهاية أثبتت تجارب المنطقة أن العزلة الحقيقية هي التي تعيشها دولة تشن عدواناً تلو عدوان على دولة مسالمة ولا تشكل مصدر تهديد.
