شكلت زيارة براد كوبر قائد القيادة المركزية الأمريكية إلى دمشق ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع، تحولاً مفاجئاً جديداً في العلاقات الأمريكية – السورية في شقها العسكري. فمن المعروف أن الاتصالات الأمريكية منذ سقوط نظام بشار الأسد انحصرت في الجانب الدبلوماسي، أي في لغة المؤسسات: وزارة الخارجية.
واللافت أن الشق العسكري من العلاقات لم يشهد أي تطور معلن رسمياً حتى تاريخ زيارة براد كوبر، قائد القيادة المركزية، الأسبوع الماضي إلى دمشق ترافقه عقيلته.
وهذه هي المرة الأولى التي تفتح فيها وزارة الدفاع الأمريكية أبواب علاقاتها مع الواقع السوري الجديد، حيث إن الاتصالات الأمريكية ووجودها العسكري يمر منذ عام 2015 عبر قناة واحدة فقط هي قوات سوريا الديمقراطية والحرب على الإرهاب.
التقديرات الأولية أشارت إلى أن هناك مبادرة أمريكية من جانب البنتاغون لاتفاق مقترح بين الحكومة السورية وقوات «قسد» بخصوص صيغة لدمج القوات تحت مظلة وزارة الدفاع، رغم أن بيانات الطرفين بعد الزيارة لم تتطرق إلى هذا المقترح بالتحديد. فالبيان الأمريكي بخصوص الزيارة ذكر ثلاثة محاور:
الثناء على جهود دمشق في محاربة تنظيم داعش الإرهابي والثناء ايضا على جهود دمشق في دعم عمليات استعادة مواطنين أمريكيين. وثالثا اتفاق الطرفين على عقد اجتماعات مستقبلية لضمان استمرار التنسيق.
ويكتسب الحديث عن دمج «قسد» في المؤسسة العسكرية السورية أهمية مضاعفة في ضوء تعثر الحلول السياسية السابقة. وتبدو أمام هذا الدمج عدة سيناريوهات محتملة:
صيغة حرس وطني: بحيث تبقى قوات «قسد» متماسكة تنظيمياً تحت إشراف وزارة الدفاع وتشارك في حماية الحدود الشرقية والشمالية.
إدماج تدريجي: عبر قبول ضباط ارتباط وتدريب وحدات مشتركة من خلال مجلس عسكري يضم ضباطاً من الطرفين السوريين.
بهذه الصيغة، يبدو أن البنتاغون يسعى إلى تجاوز إخفاق جهود المبعوث توماس باراك الذي اتهمته قسد بمحاولة «فرض رؤية غير متوازنة»، وهو ما عطّل الحوار لأسابيع.
الجانب الآخر من مخرجات الزيارة هو موازنة الدور الأمريكي بحيث لا تحتكر وزارة الخارجية الملف السوري، وتولي وزارة الدفاع جزءاً من ترجمة رؤية الرئيس دونالد ترامب في منح سوريا فرصة للازدهار والسلام.
وكمحصلة، يفتح هذا اللقاء العسكري الباب أمام مرحلة قد تعيد صياغة التوازنات داخل سوريا:
على المستوى الداخلي: قد يؤدي إلى تقليص الفجوة بين دمشق وقوات قسد عبر شراكة أمنية جديدة، وتثبيت إدارة مدنية تحت سيادة الحكومة المركزية.
على المستوى الإقليمي: قد يسهم في تخفيف الحدة الإسرائيلية في الجنوب ويمنع التصعيد مع إيران وحلفائها.على المستوى الدولي: قد يتيح لواشنطن استثمار نفوذها العسكري لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية طويلة الأمد.
يرتبط هذا الانفتاح بمشروع أوسع ضمن رؤية ترامب لـ«منح سوريا فرصة للازدهار والسلام». وتشمل هذه الرؤية رفع بعض العقوبات، وفتح باب الاستثمارات في البنى التحتية والموانئ، وربط سوريا بمشاريع إقليمية كبرى.
