اتفاق غزة.. ما مصير المرحلة الثانية؟


مع اقتراب تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة، ثمة تساؤلات متزاحمة حول إمكانية تطبيق هذه المرحلة، ومدى قدرة هذه المرحلة - إن طُبقت - على تحقيق استقرار فعلي مستدام في القطاع المدمّر والمشبع بالآثار الإنسانية والاقتصادية البائسة.

المرحلة الثانية، كما أعلن ونُشر، ترتكز على تشكيل قوة دولية متعددة الجنسيات لتثبيت التهدئة، مع إعادة إعمار تدريجية للقطاع، مع بقاء مهمّة القوة الدولية غير قتالية. فهل تستطيع خطة ترامب تجاوز تحديات الواقع المتشابك والمعقّد؟

يعد الخبير الأمني الإسرائيلي السابق يوفال ديسكين أن نجاح المرحلة الثانية يعتمد بشكل أساسي على قدرة واشنطن على ضمان مشاركة دولية واسعة ومرنة، وتقديم ضمانات لإسرائيل بعدم تمكين حماس من إعادة التموضع عسكرياً، مذكّراً بأن إسرائيل ستتمسّك بخطوط حمراء بشأن مشاركة دول معيّنة، بما في ذلك تركيا، بحسب صحيفة «معاريف» الإسرائيلية.

تأثير أمريكي

ووفقاً لما نقلت وكالة رويترز عن مايكل أوبراين، محلل الشؤون الشرق أوسطية، فإن واشنطن تراهن على التأثير السياسي والاقتصادي في إقناع الفصائل الفلسطينية بالالتزام بالتهدئة، مشيراً إلى أن إعادة الإعمار وتقديم مساعدات لسكان غزة يمكن أن يزيدان من فرص نجاح المرحلة الثانية، إذا تم تطبيقها بطريقة منهجية ومدروسة، مع ضمان إشراف دولي قوي، ومضيفاً إن التطبيق الدقيق للخطط الأمريكية سيحدّد مدى استقرار القطاع على المدى القصير، وما إذا كان يمكن أن يتحول إلى نموذج لنجاح سياسي إقليمي.

وترى المحللة الأوروبية أليسا فروست، في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز، أن نجاح المرحلة الثانية يتوقف على إيجاد توازن دقيق بين الحد من قدرة «حماس» على العودة للعمليات المسلّحة، وإشراك الدول الإقليمية والدولية في إدارة استقرار القطاع. وتعد أن مشاركة مصر والدول الأوروبية وتركيا، مع ما أسمته احترام الخطوط الحمراء الإسرائيلية، ستشكل اختباراً حقيقياً لقدرة واشنطن على فرض حلول من دون أن تواجه رفضاً إسرائيلياً أو فلسطينياً.

سيناريوهات

ويعتقد خبراء آخرون أن المرحلة الثانية قد تواجه سيناريوهات محتملة عديدة، الإيجابي منها يقوم على تهدئة ثابتة، وعمل فعال للقوة الدولية، إلى جانب بدء إعادة الإعمار التدريجية في القطاع، ما يخلق حوافز اقتصادية تخفف من الاحتقان الشعبي وتحقّق استقراراً نسبياً على الأرض.

أما السيناريو محدود النجاح فيتضمن تقييد عمل القوة الدولية نتيجة رفض إسرائيل مشاركة بعض الدول، واستمرار التهدئة بشكل جزئي، مع بطء إعادة الإعمار، ما يولّد إحباطاً لدى الفلسطينيين ويقلّل من أثر المرحلة الثانية في الاستقرار العام.

السيناريو السلبي، في المقابل، يتوقّع فشل التنسيق الدولي، مع رفض إسرائيل إبداء أية مرونة بشأن القوة الدولية، وتأخر إعادة الإعمار، وتصعيد محدود من الفصائل الفلسطينية، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان مصداقية الخطة، ويجعل فرض الاستقرار طويل الأمد أمراً صعباً.

وبرأي العديد من الخبراء فإن نجاح المرحلة الثانية ليس محصوراً بالجانب الأمني، بقدر ما هو مرتبط بعوامل سياسية واقتصادية عدة، منها قدرة واشنطن على ضمان مشاركة دولية مرنة، وبناء واقع غير قتالي، مع توافق على تفاصيل القوة الدولية وبرنامج إعادة الإعمار. كما أن الأبعاد الإنسانية، مثل توفير خدمات الكهرباء والمياه والتعليم، تلعب دوراً حاسماً - إلى جانب ظروف أخرى - في تعزيز ثقة الفلسطينيين بالخطة، بحسب الخبراء.
أياً يكن من أمر، وفي إطار الملعب المتاح، يبقى نجاح المرحلة الثانية ممكناً، لكنه محفوف بالمخاطر، ويعتمد على تنسيق دقيق بشأنها، وكذا قدرة واشنطن على الموازنة بين مصالح كل من إسرائيل والفلسطينيين والأطراف الدولية المشاركة في غزة. وأي إخفاق في أحد هذه المحاور قد يعيد المنطقة إلى دائرة التوتر ويضع واشنطن أمام اختبار جديد حول قدرتها على إدارة الأزمة.

وبهذا المعنى فإن المرحلة الثانية ليست مجرد خطة سياسية، بل اختبار حقيقي لإمكانية صنع واقع مستدام، وسط بيئة إقليمية معقدة وشروط إسرائيلية وإجراءات إسرائيلية قائمة على فرض الأمر الواقع على شاكلة إعلانها أن الخط الأصفر حدود نهائية، من دون أن تقول واشنطن شيئاً.