مخيمات غزة.. «من دلف القذائف إلى مزراب المطر»

مع أول مطر خريفي اجتاح القطاع هذا العام، قضت أمل أبو حسن، وهي نازحة تعيش في مدينة غزة مع أطفالها الأربعة، ليلة عصيبة لا تنسى بعدما غمرت المياه خيمتهم وأغرقت أرضها وأثاثها البسيط. تقول أمل (32 عاماً) بينما كانت ملابسها مبللة: «طوال ساعات الليل حاولت تفريغ المياه المتدفقة إلى الخيمة، فيما انشغلت بين وقت وآخر في نقل أطفالي بين أرجائها لحمايتهم من مياه المطر والسيول التي بدأت بالتسلل فجأة».

لم يكد يخرج أهل غزة من تحت القصف الإسرائيلي حتى دخلوا تحت وطأة المطر، في أوائل فصل الشتاء.

المثل الشعبي يقول «خرجنا من تحت الدلف ووقعنا تحت المزراب»، وهكذا الحال في غزة، فالمنخفض الجوي جاء في وقت لا تزال غزة تتأرجح تحت وطأة آثار الحرب.

تقول أمل: «جميع محاولاتي باءت بالفشل؛ مياه الأمطار كانت تتسرب من كل مكان، والفراش أصبح مبللاً، والأطفال يبكون من البرد والخوف». وما زاد الطين بلة بالنسبة لأمل هو اشتداد الرياح، ما أثار مخاوفها من انهيار الخيمة فوق رؤوسهم.

وتوضح: «لم أعرف أين سنذهب ولا ماذا سنفعل، فلا مأوى لدينا ولا منزل ولا حياة ولا أي شيء»، مضيفة: «نحن وحدنا نواجه تبعات الحرب الإسرائيلية الكارثية، والتي يبدو أنها لن تنتهي قريباً».

وأشارت أمل إلى أنها «تقف عاجزة أمام قوة الطبيعة»، وتتابع «هذا أول مطر خريفي على غزة، ونحن بالفعل نكافح للحفاظ على حياتنا. الخيام لا توفر أي حماية، مجرد شادر رقيق».

وتستطرد: «نريد فقط أن نحمي أطفالنا من المطر والبرد، لكن لا أحد يسأل عنا. تخيلوا ما سيحدث عند حلول الشتاء الحقيقي، خاصة مع غياب أي أفق لإعادة الإعمار وعدم وجود مؤشرات على بدء المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار»، قالت ذلك بصوت يملؤه القلق.

بالنسبة للسكان الغزيين، فإن هطول الأمطار وتدفق الفيضانات وغرق الخيم ليست مجرد حادث طبيعي، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المعاناة المستمرة منذ الحرب. يقول أحمد الخطيب (45 عاماً)، وهو صاحب متجر في خان يونس جنوب القطاع، إنه عاش تجربة مماثلة لأمل.

ويضيف: «المطر دمر كل ما نملك. أثاثنا أصبح مبللاً وغير صالح للاستخدام»، موضحاً أنه لم يجد وأطفاله الخمسة مكاناً جافاً للنوم. ويتابع: «كل دقيقة تمر تزيد من شعورنا بالعجز». ويقول: «هذا المطر الأول يكشف هشاشة حياتنا، فماذا سنفعل حين يأتي الشتاء بالكامل؟ وكيف سنواجهه دون أي إعادة إعمار أو تأهيل للطرق والمباني المدمرة؟».

ويشير الخطيب إلى أن تراكم المياه والطين في الشوارع جعل التنقل شبه مستحيل، وأعاق وصول فرق الإغاثة، ما ترك السكان يواجهون الفيضانات بمفردهم. كما غمرت المياه الركام الذي يغلق العديد من الطرق، وسقطت أعمدة كهرباء متهالكة، مهددة حياة المارة بخطورة بالغة.

أما فاطمة المصري (28 عاماً) من دير البلح وسط القطاع فكانت معاناتها أشد، خاصة بعد غرق خيمتها وفقدان بعض ممتلكاتها القليلة بسبب السيول. وتقول بصوت متعب: «الأمطار والسيول دمرت خيمتنا ولم نستطع حتى السيطرة على الوضع»، مضيفة: «شعرت كما لو أن أطفالي سيغرقون، فبدأت بحملهم ونقلهم إلى مكان آخر، لكننا لم نجد سوى العراء والسماء التي لم تتوقف عن المطر».

وتواصل أصوات السيول والمياه الجارية في المخيمات طوال الليل، متداخلة مع صراخ الأطفال وبكاء الأهالي، في مشهد يبعث على الخوف ويجعل الليل الطويل أقرب إلى كابوس لا نهاية له.