عندما يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنه حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من أن العالم كله ضد إسرائيل في الحرب على غزة، فهذا تعبير مكثف عن مأزق كبير وضعت إسرائيل نفسها فيه، مأزق ليس أقل من قلق وجودي وانعدام يقين بالمستقبل. كل ذلك يتحدث عنه إسرائيليون إعلاميون وباحثون وعاديون.
ترامب كان واضحاً وصريحاً كعادته، ومفاجئاً كعادته أيضاً، حين قال إنه حذر نتانياهو من مواصلة القتال على نطاق واسع، موضّحاً أن الخوض في «حرب مفتوحة» كان سيجعل إسرائيل تواجه عزلة دولية أوسع.
وكان صريحاً أيضاً وهو يشرح كيف تمكن من «إقناع» نتانياهو للاستماع إلى «نصيحته»، حيث قال له إنه يرى بوضوح تداعيات استمرار الحرب على صورة إسرائيل وعلاقاتها الدولية.
موقف أمريكي آخر عبر عنه وزير الخارجية ماركو روبيو من قاعدة «كريات غات» - التي تتواجد بها قوات أمريكية لمراقبة وقف إطلاق النار - من خلال إعلان رفضه خطط إسرائيل لضم الضفة الغربية، غداة تبني الكنيست الإسرائيلي لقرار الضم في قراءة تمهيدية.. وكان ترامب سبقه بتهديد إسرائيل بأنها ستخسر الدعم الأمريكي في حال مضيها في هذا المخطط الذي وصفه جي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي بـ «الغبي».
محاولة إنقاذ
وإذا استندنا إلى العلاقة التاريخية العضوية بين أمريكا وإسرائيل، فإننا نستطيع القول إن ترامب عبّر في الأساس عن محاولة لإنقاذ إسرائيل من نفسها، أكثر مما سعى لإنقاذ غزة من الإبادة الجماعية، وإن كان عبّر عن هدف معلن كهذا الأخير، فإنه جاء استجابة لبعض الضغوط العربية، واتساع الاحتجاجات الشعبية وبعض الرسمية على مستوى العالم.
ولا يمكننا أن نغفل عن حقيقة أن ثمة انتقادات وأصواتاً للرفض لممارسات إسرائيل، صدرت في إسرائيل ذاتها ومن يهود كثيرين حول العالم، ومن دون شك فإن ترامب يتابع هذه الأصوات، ولا بد أنه عرف أن أكثر من 450 شخصية يهودية شهيرة حول العالم يطالبون بفرض عقوبات على إسرائيل بسبب غزة.
وكما أوردت صحيفة «الغارديان» البريطانية، فإن هؤلاء وقعوا رسالة مفتوحة تطالب الأمم المتحدة بفرض عقوبات على إسرائيل بسبب جرائمها التي ترقى لمستوى الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
ومن بين الموقعين على الرسالة، رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق أبراهام بورغ، والمفاوض الإسرائيلي السابق دانيل ليفي، والكاتبة اليهودية الكندية نعومي كلاين، والمخرج البريطاني جوناثان غليزر الحائز جائزة الأوسكار، والممثل الأمريكي والاس شون، والحائزة جائزة إيمي إيلانا غليزر، وغيرهم.
هذه الرسالة تأتي في أعقاب تحول كبير في الرأي العام بين اليهود الأمريكيين والناخبين على نطاق أوسع على مدى السنوات القليلة الماضية، وفقاً لـ«الغارديان».
ولعل ترامب استمع لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، الذي قال السبت الماضي، إن إسرائيل فقدت دعم معظم العالم الغربي، بسبب سياسات حكومة نتانياهو.
بينيت الذي أشار إلى تدهور مكانة إسرائيل الدولية، سلط الضوء على الخاصرة الرخوة، وهي أمريكا نفسها، مشيراً إلى أن إسرائيل خسرت دعم «الديمقراطيين»، ونصف «الجمهوريين»، وهذا يعني الحزبين المتناوبين على البيت الأبيض ولا ثالث لهما.
وقبل بينيت، كان زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، قال خلال جلسة للكنيست، إن إسرائيل تمرّ بـ«أخطر أزمة سياسية في تاريخها»، مشيراً إلى تزايد مظاهر العزلة الدولية وفقدان الحكومة للسيطرة على الساحة السياسية، لافتاً إلى تزايد الاعترافات بـ«فلسطين»، والعقوبات غير المسبوقة من بعض الدول الغربية.
توسيع «الزووم»
ولتوسيع «الزووم» قليلاً، من دون الحاجة للصورة كاملة، يكفي للتدليل على مأزق إسرائيل داخلياً، أن نطّلع على البيانات الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، والتي أشارت إلى أنّ عدد اليهود الذين غادروا فاق عدد القادمين، للمرة الأولى منذ عقود.
كثير من المحللين يستشهدون بـ«الدماغ» الإسرائيلي للحديث عن التخطيط والنجاح، لكن علم التشريح يقول إن خلايا الدماغ التي تتلف لا يمكن أن يعاد تشغيلها مرة أخرى.
