توالت، في الآونة الأخيرة، التصريحات من عواصم أوروبية مراراً حول اعتزامها الاعتراف رسمياً بـ«دولة فلسطين» في سبتمبر المقبل، خلال انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. لم يفسر أي مسؤول أوروبي دلالات المكان والزمان المحددين، ما دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للتساؤل: «لماذا ليس الآن؟».
ثمة إعلان صدر عن المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1988 في اجتماع بالجزائر، وفي ذروة انتفاضة الحجارة، لـ«وثيقة استقلال» فلسطين، واعترفت عشرات الدول بالدولة المعلنة في «الوثيقة»، وليست على الأرض.
المواقف الأوروبية تبدو سياسياً مهمّة في توقيتها ودلالاتها، رغم أن الدولة التي يدور الحديث عنها لا تزال معلقة بين التصريحات والقرارات من جهة، والوقائع التي يفرضها الاحتلال على الأرض من جهة أخرى. منذ إعلان الجزائر عام 1988، 144 دولة بـ«دولة فلسطين»، بينها دول عظمى وكبرى مثل روسيا، الصين، الهند، البرازيل وجنوب أفريقيا.
هذه الاعترافات أرست حضور «فلسطين» في النظام الدولي، لكنها لم تنجح في نقل الدولة من الورق إلى الأرض التي واصل الاستيطان والاجتياحات تمزيقها وتقطيع أوصالها، في سياق سياسات استيطانية وعسكرية تهدف إلى تقويض أي إمكانية لقيام هذه الدولة.
رغم وزن الاعترافات السابقة، يكتسي الاعتراف الأوروبي طابعاً نوعياً، إذ إن الدول الأوروبية، بخلاف القوى الوازنة المذكورة، تعتبر جزءاً من المنظومة الغربية التي شكّلت عبر عقود السند والداعم السياسي والدبلوماسي والأمني لإسرائيل.
وبالتالي، حين يخرج الاعتراف هذه المرة من عواصم مثل باريس ومدريد ودبلن وربما برلين، فإن أثره يتجاوز الجانب الرمزي ليتحول إلى انقسام داخل منظومة الداعمين لإسرائيل من دون قيد أو شرط.
صحيح أن هذه الاعترافات -إن صدرت- لن تنقل «الدولة» من الورق إلى الواقع، لكن الصحيح أيضاً أنها تشكل ضغطاً على إسرائيل وتضعها في موقع دفاعي، بعدما اعتادت على أن ترى الاعترافات والمواقف المنددة بسياستها، مقتصرة على دول من خارج المنظمة الغربية.
كما أن هذه الاعترافات بمثابة رسالة إلى واشنطن، مفادها أن أوروبا لم تعد قادرة على تبنّي الرواية الإسرائيلية المطلقة وإعطاء سياساتها «شيكاً على بياض»، وأنها اختارت البحث عن صيغة أكثر توازناً في مقاربتها لهذا الصراع.
مسألة أخرى مهمة كذلك، هي أن هذه الاعترافات تعني انضمام عواصم غربية وازنة إلى قائمة المعترفين بالشرعية الدولية، وبالتالي منح الفلسطينيين سنداً إضافياً في المحافل الدولية، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية، وكذلك المنظمات الاقتصادية.
اعتراف محصور
لذلك رغم هذه الدلالات، يظل الاعتراف الأوروبي محصوراً بدولة بلا سيادة فعلية، إذ إن إسرائيل تحتل الأرض وتسيطر على الموارد والحدود. وإذا كان الاعتراف يُترجم برفع العلم الفلسطيني في المؤسسات الأوروبية، فإنه لن يوقف الاستيطان ولا الحصار.
هذا يبقي الاعتراف خطوة سياسية ورمزية لا تغيّر ميزان القوى على الأرض، لكنه يعيد القضية الفلسطينية إلى الأجندة الأوروبية، بعد سنوات من محاولات التهميش. كما أنه يضعف رواية إسرائيل القائلة إن «الاعتراف بفلسطين لا يأتي إلا من خصوم إسرائيل التقليديين»، إذ بات الاعتراف هذه المرة يصدر من شركاء تاريخيين لإسرائيل في الغرب.