الاعتراف بالدولة الفلسطينية تحوّل رمزي أم انعطافة استراتيجية؟

عرفات ورابين خلال توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993
عرفات ورابين خلال توقيع اتفاق أوسلو سنة 1993

في خطوة تُعد الأولى من نوعها لبريطانيا منذ عقود، أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر، أمس، أن بريطانيا ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جوهرية لإنهاء «الوضع المروع» في غزة وتفي بشروط أخرى، وفقاً لبيان حكومي.

يأتي هذا الموقف الجديد وسط موجة أوروبية متصاعدة من الإعلانات عن نوايا الاعتراف بدولة فلسطين، في وقت تتعثر الجهود الدولية لوقف العدوان على غزة.

لم تأتِ الخطوة البريطانية في فراغ، فقد سبقتها فرنسا قبل أيام بإعلان نيتها الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة.

كما أن دولاً مثل إسبانيا، وإيرلندا، والنرويج وسلوفينيا سبقت بريطانيا إلى هذا الموقف، ما يعكس اتجاهاً أوروبياً متصاعداً لفك الارتباط بسياسة الدعم الأعمى لإسرائيل، وبخاصة في ظل الصور الكارثية للبؤس والجوع التي تخرج من غزة.

رغم هذه الموجة، لا تزال دول كألمانيا، وكندا، وإيطاليا متمسكة بعدم الاعتراف بفلسطين إلا في إطار تسوية سياسية شاملة. أما الولايات المتحدة، فقد انتقدت هذه التحركات الأوروبية، معتبرة أنها تقوّض فرص استئناف مفاوضات السلام وتمنح «مكافأة» للفصائل الفلسطينية دون مقابل سياسي واضح.

المستشار الألماني فريدريش ميرتس قال أمس، إن حكومة برلين لن تعترف «الآن» بدولة فلسطينية، معتبراً أن هذه «ليست بالخطوة الصحيحة»، وفقاً لما نقلت عنه وكالة رويترز.

وفي كلمة ألقاها خلال مؤتمر صحافي مشترك مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في مقر المستشارية ببرلين، قال ميرتس «أود أيضاً أن أؤكد صراحة أنه يجب ألا تكون هناك عمليات طرد أخرى، ولا أي خطوات أخرى نحو ضم الضفة الغربية».

لكنه أوضح أن «الاعتراف بدولة فلسطينية هو إحدى الخطوات النهائية لحل الدولتين»، في إشارة إلى أن هذه الخطوة ليس أوانها الآن.

لكن الموقف الأكثر أهمية وحسماً في هذا الاتجاه هو ما يصدر عن واشنطن. المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس، قالت إن الحديث عن حل الدولتين في غير وقته، وإنه «ليس أكثر من حيلة دعائية تأتي في منتصف جهود دبلوماسية حساسة لإنهاء النزاع»، وفقاً لموقع «سكاي نيوز عربية».

تحمل المواقف الأوروبية التي تتجه للاعتراف دلالات رمزية قوية، وبخاصة بريطانيا باعتبار أنها كانت تاريخياً جزءاً من جذور القضية عبر وعد بلفور والانتداب على فلسطين.

كما أن توقيت الحديث عن الاعتراف – بعد أكثر من 20 شهراً على الحرب المدمّرة على غزة – يمنح الفلسطينيين نصراً دبلوماسياً ولو رمزياً، ودافعاً معنوياً، في حين يزيد من عزلة إسرائيل دولياً.

ويرى الخطاب الرسمي الفلسطيني أن الاعتراف البريطاني- إذا اقترن بخطوات أوروبية أخرى- قد يسهم في خلق واقع دولي جديد يضغط نحو «حل الدولتين»، أو على الأقل يقيّد سياسات التوسّع الإسرائيلي.

لكن في المقابل، يرى محللون فلسطينيون أن إسرائيل قد تلجأ إلى إجراءات تصعيدية كرد فعل، مثل توسيع الاستيطان والاقتحامات والاعتقالات وهدم المنازل في الضفة الغربية.

كما أن العديد من دول العالم اعترفت ودعمت إعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988، وعدد كبير منها فتحت سفارات واستقبلت الراحل ياسر عرفات وخلفه محمود عباس كرئيسين، إلا أن ذلك لم يغير من الواقع على الأرض التي ظلت محتلة وتئن تحت وطأة الاستيطان ومئات الحواجز العسكرية الإسرائيلية.

كما لم يتغير الواقع على الأرض بعد توقيع عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه إسحاق رابين، اتفاق أوسلو برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون.

وبين الاعتراف الرمزي والتغير الاستراتيجي، تبدو خطوات كهذه مهمة في لحظة مفصلية بمسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حتى وإن كانت رمزية ولا يترتب عليها شيء عملي، أي أن اتخاذها أفضل من عدمه.