ما التداعيات الاستراتيجية لزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي؟

الواجهة الخارجية لمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل
الواجهة الخارجية لمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل

تتصاعد المخاوف الأوروبية من التهديد الروسي، وسط بيئة جيوسياسية مضطربة فرضتها الحرب في أوكرانيا والتوترات الممتدة على حدود الاتحاد الأوروبي، وعززها موقف ترامب «المهادن» مع موسكو، والساعي لإبرام اتفاق سلام يستبعد أوروبا من الطاولة.

ومع اتساع رقعة التحديات الأمنية، باتت الدول الأوروبية تبحث عن استراتيجيات أكثر صلابة، تجمع بين تعزيز قدراتها الدفاعية وتطوير سياسات الردع، في مسعى لاحتواء أي تصعيد محتمل.

في هذا السياق، تتبنى العواصم الأوروبية خططاً لزيادة الإنفاق العسكري، وإعادة النظر في منظوماتها الأمنية، بما يعكس تحولاً واضحاً في عقيدة الدفاع المشترك.

وجاءت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخيراً، بشأن إمكانية استخدام الردع النووي الفرنسي (المظلة النووية)؛ بهدف حماية بعض الدول الأوروبية الحليفة، في مواجهة التهديدات الخارجية، وبشكل خاص الروسية، ضمن التطورات التي تعكس الهاجس الأمني الأوروبي حالياً.

حديث ماكرون «النادر» بشأن أهمية الردع النووي الفرنسي واحتمالية توسعه، يأتي ضمن إطار استراتيجية أوروبية أوسع لتعزيز القدرات الدفاعية الذاتية، وتقليل الاعتماد على الضمانات الأمنية الأمريكية، في ظل الشكوك المتزايدة حول التزامات واشنطن المستقبلية.

من برلين، يقول الكاتب والمحلل المتخصص في الشؤون الأوروبية، عبد الرحمن عمار لـ «البيان» إنه على المستوى الأوروبي، يكمن التحدي الأكبر في تحويل الخطط الدفاعية إلى واقع ملموس، في تباين المواقف بين الدول الأعضاء.

يعود هذا التباين إلى عوامل عدة؛ أبرزها الفجوة الاقتصادية بين دول شمال القارة وجنوبها، مما ينعكس على قدرتها على زيادة الإنفاق العسكري.

بالإضافة إلى ذلك، يوضح أن بعض الأنظمة المتحالفة مع موسكو، مثل حكومة المجر، تشكل عقبة أمام توحيد الموقف الأوروبي. كما أن صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، سواء في الحكم أم المعارضة، يزيد من تعقيد المشهد، إذ تعارض بعض هذه القوى أي تصعيد عسكري ضد روسيا، مما يعرقل الجهود الرامية إلى تعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية.

يأتي ذلك في وقت يعكف فيه قادة التكتل الأوروبي على دراسة خيارات مختلفة لزيادة الإنفاق، تتضمن إنشاء بنك أوروبي؛ لإعادة التسلح، من أجل الاستفادة من مجمع الادخار الأوروبي على غرار البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قد كشفت عن خطة لتعزيز الدفاع الأوروبي بقيمة تقارب 800 مليار يورو، بهدف تقديم دعم عسكري عاجل لأوكرانيا بعد قرار واشنطن تجميد مساعداتها.

انقسامات

والنقاش حول ملف الدفاع الأوروبي ليس وليد التطورات الأخيرة في أوكرانيا، بل هو جدل متجدد يعكس انقسامات أعمق داخل الاتحاد الأوروبي، ازدادت وضوحاً مع صعود اليمين المتطرف في دول عدة.

مما عزز النزعات الانفصالية وأضعف مساعي التكتل نحو موقف دفاعي موحد، بحسب المستشار السابق للبرلمان الأوروبي، عبد الغني العيادي، والذي يقول لـ «البيان» من باريس، إن هذا الجدل لا يمكن فصله عن هوية الاتحاد الأوروبي السياسية؛ إذ إن أي استراتيجية دفاعية لن تؤتي ثمارها دون حسم مسألة القيادة السياسية.

ويضيف: «قبل الحديث عن تحرك عسكري، يبرز السؤال الأهم: من يملك قرار الحرب والسلام داخل أوروبا؟ وهو ما لم يحسم بعد في ظل غياب توافق على كيان سياسي موحد يقود القرارات العسكرية».

خيارات

أما على مستوى الاستراتيجيات، فيشير إلى أن ثمة مسارين متباينين؛ الأول يدعو إلى إنشاء جيش أوروبي مشترك بميزانية وقيادة موحدة، فيما يقتصر الثاني - الذي يتبناه معظم القادة الأوروبيين حالياً - على رفع كل دولة ميزانيتها الدفاعية بشكل منفصل.

غير أن هذا الخيار الأخير يعكس الانقسام السياسي أكثر مما يقدم حلاً استراتيجياً، خصوصاً أن زيادة الإنفاق العسكري في ظل أزمات اقتصادية خانقة، كالتضخم ومشكلات الطاقة والمديونية، يزيد الضغوط على الدول الأوروبية، التي ما زالت تحاول الخروج من عنق الزجاجة.

يأتي ذلك في الوقت الذي كشفت فيه الحرب في أوكرانيا الانقسامات الداخلية وأظهرت هشاشة الرؤية المستقبلية، مما يثير تساؤلات حول قدرة أوروبا على بناء استراتيجية دفاع موحد في ظل هذا الواقع.

وعززت الأحداث المتتالية خلال الأسابيع الماضية أطروحات زيادة الإنفاق الدفاعي، مع المخاوف المتصاعدة من «التهديد الروسي» لا سيما بعد الموقف الأمريكي الأخير، والذي يتعارض مع الاتجاه الأوروبي فيما يخص قضايا الدفاع والحرب في أوكرانيا والعلاقة مع موسكو، ومع الإعداد لاتفاق وقف إطلاق قد يمهد الطريق لتسوية تشهد تنازلات أوكرانية، وبما قد يشكل هاجساً للأمن الأوروبي.