تدخل العلاقة بين الحليفين الأمريكي والأوروبي نفقاً مظلماً؛ بدفع من سياسات دونالد ترامب، التي تُشكل تهديداً للعلاقات التجارية القائمة مع التكتل وشركاء واشنطن التجاريين، لا سيما مع الكشف عن خطط لفرض رسوم جمركية متبادلة عالمية على كل دولة تفرض رسوماً على الواردات من الولايات المتحدة.
تُثير تلك التهديدات مخاوف واسعة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لا سيما وأنها تأتي في وقت تواجه فيه اقتصادات دول التكتل تحديات متزامنة، بما في ذلك حالة الإنهاك التي تعاني منها جراء تبعات الحرب في أوكرانيا على مدار الأعوام الثلاثة الماضية. وقد توعدت المفوضية الأوروبية برد «حازم وفوري» على ترامب إذا نفذ تهديده.
وبينما تبدو أوروبا في موقف «ضعيف» نسبياً تبعاً للمعضلات التي تواجهها اقتصاداتها حالياً، فإن سياسات ترامب من شأنها أن تزيد الضغط عليها، لجهة تأثيراتها المتوقعة في خفض الصادرات الأوروبية لواشنطن وإضعاف الاستثمار في دول التكتل، وبما يشكل ضربة للنمو الاقتصادي.
أوروبا في مأزق!
من لندن، يقول الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي لـ «البيان»، إن الأدوات المتاحة للاتحاد الأوروبي للرد على الولايات المتحدة هي نفسها المتاحة لترامب، لكنه يعتقد بأن أوروبا الآن في موقف ضعيف، ذلك أن الاقتصاد الأوروبي حالياً يواجه صعوبات.
ويشهد معدلات نمو متدنية، لا سيما في القطاع الصناعي، وبالتالي «عند فرض رسوم جمركية متبادلة سيكون التأثير أكثر حدة على اقتصادات الاتحاد الأوروبي مقارنةً بالولايات المتحدة».
ومن شأن تعريفات ترامب أن تؤدي إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي في أوروبا.. فيما تشير تقديرات الأمم المتحدة (الواردة في تقرير الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه الصادر بداية العام) إلى تعافي نسبي للاقتصاد الأوروبي لجهة زيادة النمو من 0.9% في 2024 إلى 1.3% في 2025.
وبينما من المتوقع أن يكون للرسوم التجارية وتداعياتها تأثيرات مباشرة، ذكر صندوق النقد -على لسان النائبة الأولى للمديرة العامة، جيتا جوبيناث- أنه من السابق لأوانه وضع أي تحليل دقيق لتداعيات زيادة الرسوم الأمريكية على دول أخرى.
موقف ضعيف
من جانبه، يرى رئيس قسم الأسواق العالمية في «سيدرا ماركتس» جو يرق، أن «أوروبا هي الحلقة الأضعف في هذه المواجهة»، خاصة أن موقفها اليوم يختلف عمّا كان عليه خلال الولاية الأولى لترامب، نتيجة التداعيات العميقة للحرب في أوكرانيا، فضلاً عن تراجع العديد من الصناعات ووقوع الاقتصادات الأوروبية تحت ضغوط الانكماش. وعليه، فإن «الرسوم الجمركية ستكون أشد وطأة على أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة».
وعبَّرت المواقف الأوروبية الأخيرة الداعمة بقوة لأوكرانيا، رغم الموقف الأمريكي الصارم حيال محاولة الدفع بمفاوضات إنهاء الحرب التي تستبعد أوروبا، عن حجم الهوّة بين الحلفاء عبر الأطلسي.
فيما بعث القادة الأوروبيون برسائل متباينة خلال قمة لندن الأخيرة لجهة تأكيد مساندة كييف وفي الوقت نفسه استجداء دعم ترامب ومغازلته.
وفي حديثه مع «البيان»، يشير يرق إلى أن أوروبا قادرة على فرض رسوم مضادة (انتقامية)، كما صرّح قادتها، تشمل أشباه الموصلات والمنتجات الدفاعية وغيرها.
لكن في المقابل، فإن «تنفيذ هذه السياسات يتطلب من أوروبا تعزيز صناعاتها لسد الفجوة، إضافة إلى تنويع الأسواق وخلق بدائل جديدة لتقليل الاعتماد على واشنطن».
كما يلفت إلى تصريحات ترامب التي قال فيها إن «حلفاءنا كانوا أشد إيلاماً لنا من خصومنا عبر الرسوم الجمركية»، معتبراً أنه يجب التعامل معهم بسياسات أكثر تشدداً.
ومع ذلك، يرى يرق أن أوروبا لا تملك القدرة على اتخاذ موقف هجومي صارم ضد الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التزامها بحلف الناتو، مما يعقّد علاقتها بواشنطن ويحدّ من خياراتها. وبالتالي «تجد أوروبا نفسها في موقف ضعيف نسبياً، وأدواتها محدودة مقارنة بما كانت عليه سابقاً».
على الجانب الآخر، أقر ترامب قبيل أيام بالتأثيرات المحتملة للرسوم الجمركية على الأمريكيين، الذين قد يعانون من ارتفاع الأسعار تحت وطأة هذه السياسات.
ويشار إلى أن إجمالي تجارة السلع الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي تقدر بنحو 975.9 مليار دولار في 2024. وبلغت صادرات السلع الأمريكية إلى الاتحاد الأوروبي في 2024 نحو 370.2 مليار دولار، بزيادة قدرها 0.7% (2.6 مليار دولار) عن 2023.
فيما بلغ إجمالي واردات السلع الأمريكية من الاتحاد الأوروبي 605.8 مليارات دولار في العام نفسه، بزيادة قدرها 5.1 % (29.4 مليار دولار) عن 2023.
وبلغ عجز تجارة السلع الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي 235.6 مليار دولار في 2024، بزيادة قدرها 12.9 % (26.9 مليار دولار) عن 2023، وفق بيانات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة.
العلاقات الاستراتيجية
من بروكسل، يقول خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، لـ«البيان»، إن «الدول الأوروبية سترد بالمثل تماماً كما حدث خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب، عندما فرضت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية على السلع الأمريكية رداً على الرسوم التي فرضها ترامب على المنتجات الأوروبية».
هذا التصعيد يشير بوضوح -في تقدير بركات- إلى أن العلاقات بين الجانبين، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، ستشهد مزيداً من التوتر. ويوضح أن تدهور هذه العلاقات سيترك تداعيات سلبية عبر الأطلسي، وخاصة في إطار حلف (الناتو).
حيث يطالب الرئيس الأمريكي الدول الأعضاء بزيادة مساهماتها العسكرية في الحلف ورفع مخصصاتها الدفاعية إلى ما يزيد على 5% من الناتج المحلي الإجمالي.