هل باتت «الميكانيزم» مسرحاً يتحدد عليه مستقبل لبنان؟

تتجاذب الجو العام في لبنان تقديرات متناقضة، بين من يعتبر من جهة، الفترة الفاصلة من الآن وحتى آخر العام الجاري، استراحة موقتة تسبق الانتقال إلى مرحلة متفجرة بتصعيد إسرائيلي اعتباراً من مطلع العام الجديد، يلي انقضاء المهلة الممنوحة للجيش اللبناني حتى آخر العام لسحب سلاح حزب الله، ويقارب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن أواخر الشهر الجاري بوصفها تأسيسية لهذا التصعيد، لتحقيق هدف إسرائيل بنزع السلاح، وبين من يستبعد من جهة ثانية، احتمالات التصعيد، ويعول على كابح أمريكي له، وعلى مسار معاكس يفتح على حل سياسي، ربطاً بالمفاوضات ضمن لجنة الميكانيزم بعد تطعيمها بمدنيّين.

أما على المقلب المكمل لهذه الصورة، فإن ثمة كلاماً عن أن واشنطن نجحت في فرض هدنة سياسية - تفاوضية أوقفت الانزلاق إلى حرب شاملة.. غير أن هذه الهدنة موقتة ومعلقة على نتائج الاجتماعات المقبلة لـ«الميكانيزم» (لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية)، والتي باتت المسرح الذي سيتحدد عليه مستقبل لبنان القريب.

ورغم كل التحركات المتصلة بالجهود لاستبعاد تجدد الحرب، والتعويل الكبير على قوة الدفع التي يمكن أن تنشأ حال إعلان لبنان انتهاء المرحلة الأولى من حصرية السلاح بيد الدولة، لا تبدو صورة الموقف في لبنان واضحة أو مطمئنة إلى الحدود التي تتيح رسم خط بياني للمرحلة التي ستلي استحقاق انتهاء حصر السلاح في جنوب الليطاني.

ذلك أن لبنان، في ظل الجهود الدبلوماسية المنصبة على تجنيبه الحرب التي لا تبدو احتمالاتها مستبعدة.

ووفق ما يتردد من معلومات دبلوماسية، يمرر مرحلة تهدئة نسبية في الأسابيع الأخيرة قبل نهاية العام، في انتظار الاجتماع المقبل للجنة الميكانيزم في 19 ديسمبر الجاري، وما إذا كان سيؤدي إلى أي شيء، وإنْ في ظل توقعات سلبية في شكل عام نتيجة أجواء احتقان مستمرة داخلية ومع إسرائيل وعدم وضوح الرؤية اللبنانية لمسار الأمور، وخصوصاً أن الكلام على آلية الانسحاب الإسرائيلية من المواقع المحتلة جنوباً، أو وقف اعتداءاتها، لن يكون كافياً وحده في حال التسليم جدلاً بوجود موقف لبناني موحد واستراتيجية واضحة في هذا الإطار.

وما يلفت المعنيين في هذا الإطار أن السفير الأمريكي، ميشال عيسى، أقام جداراً عازلاً بين العمل السياسي والأمني، ففصل المسار التفاوضي عن العسكري، ورأى أن انطلاق المفاوضات لا يعني أن إسرائيل ستوقف اعتداءاتها، وذلك في إشارة قرأتها مصادر سياسية على أنها تعكس مباركة أمريكية لفصل المسارين التفاوضي والميداني، ما يعني استمرار الضغوط على الحزب بمعزل عن مسار التفاوض مع الدولة.

إلى ذلك، يبدو أن لبنان يتقدم صوب اجتماع باريس المقرر في 18 ديسمبر الجاري، وهو يضم إلى جانب بيروت كلاً من واشنطن وباريس والرياض.

وأهمية هذا الاجتماع مزدوجة، فهو من جهة يمهد لمؤتمر دعم الجيش، المفترض عقده الشهر المقبل، ومن جهة ثانية يتيح لقائده العماد رودولف هيكل أن يقدم وللمرة الأولى، تفاصيل عن خطة حصر سلاح حزب الله، وحاجات المؤسسة العسكرية لاستكمالها.

تخوف أممي

بدوره، أكد مسؤول أممي لـ«البيان»، أن الوضع في لبنان لا يبعث على التفاؤل، ومستقبله سيكون في خطر كبير إن لم تتبلور تفاهمات تلغي عوامل التصعيد والتوتر، خصوصاً أنه مقبل على وضع حساس جداً في منطقة الجنوب، إذ بعد عام من الآن لن تكون هناك قوات أممية، بعد قرار مجلس الأمن بسحبها حتى نهاية العام المقبل.

ووفق المسؤول الأممي نفسه، فإن ثمة حاجة لقوات بديلة ترعى الأمن في تلك المنطقة، والبديهي هنا إسناد هذا الدور للقوات المسلحة اللبنانية.

وبالتالي فإن المرحلة من بداية العام الجديد إلى آخرها هي مرحلة التدرج في سحب تلك القوات، ما يعني أن عديدها سيتقلص مع توالي الأيام، وأن ضرورات الأمن والاستقرار على جانبي الحدود تقتضي من جهة أن يُحكِم الجيش اللبناني سيطرته على المنطقة الجنوبية وزيادة عديده فيها، من دون أن تبرز أمامه أي عراقيل.. وتقتضي من جهة ثانية الالتزام الكامل باتفاق وقف الأعمال العدائية تحديداً من قبل إسرائيل، وهذا يوجب بدوره على الدول الصديقة للبنان أن ترفده بالدعم اللازم، ويؤمل أن تبدأ معالم هذا الدعم الفعلي في المسار التفاوضي الذي تقرر عبر «الميكانيزم».