مسحة تفاؤل تسابق مناخ الحرب في لبنان

غداة دخول لبنان الشهر الأخير من المهلة المتاحة لحصر السلاح بيد الدولة، والتي التزم بها حتى نهاية العام الجاري، وعلى رغم أن معاودة إسرائيل شن غاراتها الجوية على مناطق مختلفة من جنوب الليطاني وشماله، جددت المخاوف من احتمالات مخبأة ومفاجئة لا يمكن إسقاطها من الحسابات السياسية والعسكرية في أي لحظة، بقيت صورة التحركات الدبلوماسية المكوكية، إن في بيروت أو عبر المشاورات الجارية بين الدول المعنية برعاية الوضع اللبناني غالبة على المشهد، بما يعزز المعطيات التي تربط تطور الوضع بين لبنان وإسرائيل بالاختبار التفاوضي من جهة، والنتائج المحققة لخطة حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية من جهة أخرى.

وفيما يتموضع لبنان على خط التماس بين صنوي الدبلوماسية والحرب، حيث يطل الخياران برأسيهما معاً، وسط مناخ دقيق تتناوب فيه الهبات الحامية والباردة على الميدان اللبناني، فإن مجمل الانطباعات التي تركها الموفدون الدوليون المتعاقبون على لبنان لم تُزل المخاوف من تجدد احتمال التصعيد الواسع، ما لم يبرز جديد ملموس في قابل الأيام، وتحديداً في الجولة المقبلة للجنة الميكانيزم في 19 من الجاري، باعتبار أن كلاً من لبنان وإسرائيل يتحفز لرفع وتيرة التفاوض حول أولوياته. أما على المقلب الآخر من الصورة، فكلام عن أن الضربة العسكرية الإسرائيلية لن تسبق الأعياد، ما يترك المجال للدبلوماسية لتلعب دورها. وهذا ما تؤكد عليه الوفود العربية والغربية المتقاطرة إلى بيروت، وآخرها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، محملاً في يده اليمنى دعماً متجدداً، وفي اليسرى تحذيرات واضحة من خطر الانفجار. علماً أن الأخير، الذي قصد بيروت على جناح النوايا الفرنسية في إبقاء الدور والحضور من أبواب الإصلاحات والحدود و«الميكانيزم»، أبدى اهتماماً بإعادة تفعيل مؤتمر دعم الجيش، بعد التمهيد له في اجتماع تنسيقي يعقد في 18 من الجاري في باريس.

توازياً، انشغل الداخل بمضمون التوصية الصادرة عن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ومفادها الانتقال من التهديدات العسكرية إلى الدبلوماسية في لبنان، مع ما يعنيه الأمر، وفق قول مصادر دبلوماسية لـ«البيان»، من أن الإدارة الأمريكية بدأت تتعاطى ببعض المرونة مع السلطة اللبنانية بعد تفعيل عمل لجنة الميكانيزم وضم مدنيين إليها. وتماهياً مع هذا المناخ الإيجابي الممزوج بالحذر، برز مؤشر واضح إلى أن الإدارة الأمريكية لم تحسم خيار مقاطعة المؤسسة العسكرية، وأن غيمة الصيف التي خيمت بعد إلغاء زيارة قائد الجيش العماد رودولف هيكل، إلى واشنطن بدأت بالانقشاع تدريجياً، وهو ما يعكس استمرار التزام واشنطن بدعم الجيش اللبناني ضمن معادلة واضحة: «لا سلاح شرعياً خارج كنف الدولة»، إذْ كشف السفير الأمريكي، ميشال عيسى، عن وجود اتصالات لإعادة تفعيل زيارة قائد الجيش إلى واشنطن، وإنْ لم يُحدّد موعدها النهائي بعد.. فهل يجمد الموقف الأمريكي المستجدّ ما يعده نتانياهو للبنان؟

فرصة ولكن

وفي انتظار الاجتماع المقبل للجنة الميكانيزم في 19 من الجاري، ووسط حركة سياسية للبنان في الخارج وخارجية تجاه لبنان، فإن ثمة معطيات تشير إلى أن هناك فرصة لتتقدم الدبلوماسية على الخيارات العسكرية. وعليه، تعاظمت الرهانات اللبنانية، رسمياً وسياسياً، على تزايد الحركة الدبلوماسية المتصلة بالوضع بين لبنان وإسرائيل، من دون أن تلغي استمرار الحذر الشديد حيال الإمكانات الواقعية والثابتة لتقدم تفاوضي جدي ضمن لجنة الميكانيزم يكون كافياً لمزيد من التمديد للفرصة التفاوضية.

وهكذا، بدأ الأسبوع الجاري في لبنان بـ«مسحة تفاؤل»، حيث تتلاحق المحطات وتتسابق، وبمشهدية تختصر مرحلة بدايات جديدة، وإنْ كان الدخول في التفاصيل العالقة سيبدأ اعتباراً من 19 من الجاري، موعد الاجتماع المقبل لـ«الميكانيزم»، مسبوقاً بلقاء باريسي سيجمع الأطراف الأمريكية والفرنسية والسعودية على نية عقد مؤتمر دعم الجيش وتعزيز قدراته ومهامه. وذلك، وسط انتظار لما ستفرزه الاجتماعات المقبلة، وما إذا كانت ستنجح في نقل الأزمة من مربع إدارة الوقت إلى دائرة السعي الحقيقي لإنتاج حلول قابلة للتطبيق.

استراحة

وفي الانتظار، يبدو المشهد اللبناني وكأنه قد منح استراحة مما شهده في الآونة الأخيرة من الموجات المكثفة من التسريبات الإعلامية والسياسية من مصادر داخلية وخارجية، التي وضعت البلد أمام احتمالات ثقيلة وسيناريوهات تصعيدية خطيرة، وانتقل إلى حافة الترقب لما قد تشهده الأيام القليلة المقبلة من مجريات وتطورات، من شأنها أن تحدد مساره، إما في اتجاه العودة إلى واقع مضطرب والتخبط في التقلبات الحادة سياسياً وأمنياً وما قد يصاحبها من تجاذبات وانقسامات داخلية، وإما في الاتجاه المعاكس للمناخ التصعيدي، حيث يبرز التعويل الرسمي اللبناني على أن يؤسس الاجتماع الثاني للجنة الميكانيزم بعد تطعيمها بمدنيين لمرحلة جديدة تشكل بداية كسر فعلي للمناخ الحربي وفاتحة لمسار معاكس لاحتمالات التصعيد.