لبنان.. سماء مفتوحة لإسرائيل حتى إشعار آخر

آثار الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية في حي حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت
آثار الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية في حي حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت

غداة الاستهداف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية لبيروت، وتحديداً عشية عيد الأضحى، والذي لم يعد مسألة عابرة بمعانيه ودلالاته، ضجت الساحة السياسية في لبنان بالتحليلات المرتبطة بهذا الشأن، ومفادها أن إسرائيل، وبالتوصيف العسكري، بدلت قواعد اشتباكها مع لبنان على توقيت تفاوض نووي متسارع، فأبقت نوافذ النيران مفتوحة، وخاطبت رئاسة الجمهورية بالحبر والبارود، وتبدى ذلك من رد وزير دفاعها، يسرائيل كاتس، على تصريحات الرئيس جوزيف عون، عندما أنذر بأنه لن يكون هناك هدوء في بيروت، ولا نظام ولا استقرار في لبنان من دون أمن إسرائيل.

وهنا تجدر الإشارة إلى الموقف الاستثنائي، الذي أطلقه الرئيس عون، بعد استهداف الضاحية، والذي ضرب فيه على الوتر الإسرائيلي، رافضاً أن تكون بيروت صندوق بريد من مرتكب هذه الفظاعات إلى الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها ومبادراتها، وقائلاً، إن هذا ما لن يرضخ له لبنان.

ومن بوابة استهداف الضاحية، والذي أقل ما يُقال عنه إنه جولة حرب سريعة، لا يستبعد أن تتبعها جولات مماثلة في الجنوب والبقاع أو في الضاحية مجدداً، تجدر الإشارة إلى مضي 5 أشهر على انتخاب رئيس الجمهورية، و4 أشهر على تشكيل حكومة الإصلاح والإنقاذ، و7 أشهر على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، ولا تزال الأخيرة تفرض إيقاعها، وتقصف في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وتحتل مواقع داخل الأراضي اللبنانية، وتستهدف مقاتلي حزب الله والمدنيين في الجنوب، واللبنانيون خائفون على غدهم، إذ يصحون على رائحة البارود والنار، بينما يعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن لا هدوء ولا أمن ولا استقرار في بيروت من دون أمن لإسرائيل، ولكن حتى لا تتكرر المأساة مع بقاء السماء اللبنانية مفتوحة لإسرائيل فإن ثمة إجماعاً على أن من واجب العهد، رئاسة وحكومة، تقديم الشروحات والإيضاحات للبنانيين، وتحديد المسؤوليات، سحباً للذرائع الإسرائيلية، ومنعاً لبقاء الوضع المتفلت على ما هو عليه.

قراءات ومخاوف

أشارت مصادر سياسية معنية لـ«البيان» إلى أن الاستهداف الإسرائيلي الأخير للضاحية الجنوبية لبيروت ليس مسألة عابرة بمعانيه ودلالاته، فهو لا يتعلق فقط بمنع لبنان من إطلاق موسمه السياحي، ولا يستهدف الاقتصاد وإضعافه، كما أن هدفه ليس بالضرورة الوصول إلى شن الحرب الواسعة على لبنان، لكن أهداف الضربة، بحسب المصادر نفسها، كانت واضحة، إذ إن إسرائيل تتعامل مع لبنان، وفق ذهنية التعاطي مع الضفة الغربية، وتريد تكريس وصاية سياسية وأمنية وعسكرية على لبنان.

أما على المقلب الآخر من الصورة فكان لافتاً بيان قيادة الجيش، الذي وصف بأنه سياسي بامتياز، إذ أشار إلى أن إمعان إسرائيل في خرق الاتفاقية ورفضها التجاوب مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية من شأنه أن يدفع بالمؤسسة العسكرية إلى تجميد التعاون مع لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية، في ما خص الكشف على المواقع، لكن ما هو خطير جداً أن ما حصل ليل الخميس الماضي أثبت بما لا يقبل الشك، بحسب تأكيد مصادر متابعة لـ«البيان»، أن الحرب لم تتوقف، وأن لكل طرف أجندته، وبعض الأجندات مرتبط بعضه ببعض، كواشنطن وتل أبيب، وطهران وحزب الله، فيما أجندة لبنان الرسمي ضائعة بين هذه الأجندات، إذا لم يكن هناك حسم وحزم في الموقف، وحتى الساعة لا يبدو الأمر هكذا.

أما في القراءات السياسية فإن إسرائيل تريد، من خلال هذا التصعيد، فرض جملة وقائع. وذلك بدءاً من الضغط على الإدارة الأمريكية، التي تحاول طرح حل عبر سلة شاملة، تنص على الانسحاب الإسرائيلي، وإطلاق سراح الأسرى ووضع جدول زمني لسحب سلاح حزب الله وترسيم الحدود، مروراً بسعي إسرائيل إلى الرد على أي إطلالة إيرانية على الساحة اللبنانية، ووصولاً لتكريس وقائع أمنية وعسكرية تجعل لتل أبيب اليد العليا في لبنان، والالتفاف على أي أزمة سياسية إسرائيلية داخلية، وعليه فإن ثمة كلاماً عن أن كل هذه الوقائع تضع لبنان وحزب الله أمام خيارين: إما أن يرد الحزب على هذه الاستهدافات والضربات، وبالتالي فإن الحرب ستتجدد، وإما أن يستمر الضغط الإسرائيلي على وقع الانقسامات اللبنانية الداخلية.