غداة «الزلزال» الذي حصل في غزة، وبالتزامن مع التظاهرة الدولية التي اجتمعت في شرم الشيخ وجمعت ما يقارب الـ25 دولة، برؤسائها وقادتها، وفي صدارتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لوقف حرب غزة وإبرام السلام، وفيما هذه المجموعة الدولية سبق أن أبلغت لبنان أن ما سرى على حركة «حماس» في غزة سيسري على «حزب الله»، أجمعت مصادر سياسية عبر «البيان» على أن ما جرى أمس هو أكبر من حدث تبادل الأسرى، ويشكل نهاية مرحلة وبداية مرحلة، عنوانها: مرحلة ما بعد الحرب في المنطقة.
فإيران التي كانت تقاتل بأذرعها، لم تعد قادرة على الاستمرار بهذه الحرب بهذه الأذرع، ذلك أن الذراع الأبرز، أي «حماس»، ستصبح خارج المعادلة، ويبقى «حزب الله» الذي يطالب بأن توقف إسرائيل الحرب عليه. أما سوريا، وبحسب المصادر نفسها، فلم تعد لا العمق لـ«حزب الله» ولا جسر عبور لإيران.
ثمة إجماعاً عن أن لبنان «يفتش» عن مقعده في هذه التحولات. ذلك أن إسرائيل تضرب دون هوادة، وأحدث ضرباتها استهدف تجمعاً للجرافات والشاحنات في منطقة المصيلح جنوباً، فجر السبت الفائت، وذريعتها أن هذه المعدات ستكون جزءاً من إعادة ترميم البنى التحتية لـ«حزب الله».
وعليه، فإن ثمة كلاماً عن أن لبنان لن يكون بمنأى عن أجندة الرئيس الأمريكي، لينتقل إلى الفصل الثاني من خطته ويضع لبنان، ومعه «حزب الله»، بين خياري السلم والحرب، كما فعل مع «حماس». وعليه أيضاً، ارتفع منسوب القلق الداخلي من توسيع الحرب الإسرائيلية مجدداً على لبنان.
إلى ذلك، وعلى مشارف أيام من دخول اتفاق نوفمبر عامه الثاني على عدّاد بلغ آلاف الاعتداءات ومئات الضحايا، تجدر الإشارة إلى أن أول شكوى لبنانية ضد إسرائيل إلى مجلس الأمن، منذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، سلكت طريقها بالبريد العاجل من المصيلح نحو نيويورك وتضمنت بنداً وحيداً: العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استهدف منشآت مدنية وتجارية في المصيلح، ما يشكل انتهاكاً فاضحاً للقرار 1701 ولترتيبات وقف الأعمال العدائية الصادرة في نوفمبر الماضي.
ذلك أن الساعات التي أعقبت «إعصار» الغارات الإسرائيلية على بلدة المصيلح رفعت من وتيرة المخاوف اللبنانية إلى ذروتها حيال ما انبرت إليه إسرائيل بالنار الثقيلة الحارقة لإفهام «حزب الله» في المقام الأول، ومن ثم لبنان كله والدول المعنية بمساعدته ودعمه تالياً، بأنها تفصل وتعزل عزلاً تاماً كل مفاعيل «اتفاق غزة»، الجاري تنفيذ المرحلة الأولى منه.
علماً أن حجم الخسائر الفادحة الذي خلّفته الغارات الإسرائيلية الحارقة على منطقة المصيلح، البعيدة عن الحدود أكثر من 40 كيلومتراً، لم يكن وحده المؤشر المثير للمخاوف من دلالات هذا التطور، بل أيضاً في كونها الغارات الأوسع على لبنان منذ اتفاق 27 نوفمبر 2024 من جهة، وفي استهدافاته السياسية والميدانية من المقلبين الإقليمي واللبناني، إذ إن تدمير عدد غير مسبوق من الآليات في قطاع البناء بدا لمراقبين ترجمة لرسالة إسرائيلية واضحة بمنع البناء وإعادة الإعمار.
وفي انتظار اتضاح تبلور مسار الحل على الساحة اللبنانية، وسط تضارب في القراءات والمعلومات حول المرحلة المقبلة، فإن ما استقرأه معظم المراقبين والمعنيين من الغارات على المصيلح مفاده أن إسرائيل أبلغت لبنان مباشرة عزل أي تأثيرات إيجابية لاتفاق غزة عن الوضع في لبنان، بمعنى ترك الميدان اللبناني مفتوحاً أمامها، ما دام سحب السلاح تماماً ونهائياً من «حزب الله» لم ينجز بعد.