بالتزامن مع انهمار صواريخ إسرائيل على إيران، وما تلاه من ردود وردود مضادّة، وبإزاء هذا التطوّر الحربي، وجد لبنان نفسه في قلب الحدث، من حيث «حبس الأنفاس» وترقّب التطوّرات. وذلك، وسط ارتفاع منسوب المخاوف من أيّ تورّط محتمل لـ«حزب الله» في إطلاق صواريخ أو مسيّرات في اتجاه إسرائيل، وإنْ بدت الأمور مقبلة على تجنّب هذا الاحتمال، سواء صحّت أم لم تصحّ تقارير إعلامية تحدّثت عن إبلاغ الدولة اللبنانية الحزب بتجنّب أيّ توريط للبنان.
وفيما ستبقى الأنظار مسمّرة على تطورات هذا الحدث في الساعات المقبلة، يجري تبيّن الحسابات والخلاصات الدقيقة عبر هذا التطوّر، وقد ضجّت الساحة الداخلية بالأسئلة عما سيفعله «حزب الله» في أسوأ أيام مرّت بإيران منذ تأسيسها عام 1979. وترافقت هذه الأسئلة مع معلومات مصادر مطلعة أفادت «البيان» أن الحزب تلقى نصائح مباشرة وتحذيرات واضحة، من مستويات لبنانية رسمية وأمنية بارزة، شدّدت على ضرورة ضبط النفس وعدم القيام بأيّ تحرك عسكري من الأراضي اللبنانية، لما لذلك من تداعيات كارثية على لبنان في حال قرّرت إسرائيل الردّ المباشر.
وفي سياق متصل، تردّدت معلومات مفادها أن التحذيرات التي تلقّاها لبنان لم تقتصر على «حزب الله» فقط، بل طالت أيضاً الفصائل الفلسطينية الحليفة له، ولا سيّما حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، حيث تمّ إبلاغ قياداتهما أن أيّ تحرّك عسكري من الجنوب اللبناني، سواء عبر الصواريخ أو أيّ تحرّك ذي طابع عسكري، سيُواجه بموقف لبناني غير مسبوق، يتضمن اتخاذ قرارات سياسية وأمنية غير متوقعة، وذلك، بالتوازي مع تنسيق دولي وإقليمي لضمان عدم انزلاق الجبهة اللبنانية إلى دوّامة النار المفتوحة.
أسئلة ومخاوف
وفي انتظار بلورة المشهد في ضوء التطوّرات، وفيما تكرّرت أسئلة اللبنانيين حول تداعيات الأحداث الإقليمية على الوضع الداخلي اللبناني، العالق أصلاً في عنق الزجاجة بفعل الخلاف المستحكم حول مصير السلاح، فإن ثمّة كلاماً عن أن العملية التي شنّتها إسرائيل على إيران، والتي سيمضي وقت غير قصير لتُكشف بكلّ تفاصيلها الاستخبارية والتكنولوجية، سجّلت فيها إسرائيل «ضربة هائلة» شبيهة بـ«ضربة البيجر» في لبنان، والتي مازالت لغزاً في جزء كبير منها. كما أن ثمّة إجماعاً على أن ما بعد 13 يونيو 2025 سيكون غير ما قبله تماماً في الشرق الأوسط، بكل ما يعنيه ذلك من تغييرات استراتيجية، بلغت ذروتها أول من أمس مع بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران، ولا يزال العالم يجهل الكثير عن أسرارها.
سيناريو انقلابي
وفي القراءات السياسية، فإن ما جرى، وما قد يجري، رسم سيناريو إنقلابي لا سابق له في منطقة الشرق الأوسط، حيث سيكون التدقيق في معالمه هو الاستحقاق الأول بعد أن تُظهر الساعات المقبلة أين وكيف وحدود نهاية الحرب على إيران، وكيف وبأيّ وسيلة وحجم يمكن بعد توقع الردّ الإيراني. وكلّ ذلك سيقود إلى السؤال الكبير عمّا إذا كانت المنطقة ستُقبل على مزيد من المفاجآت، بما يشكّل حرباً إقليمية.
وفي محصلة المشهد المعقّد، فإن لبنان يبدو كأنه في سِباق محموم بين نيران الإقليم المتفجّرة، وسعيه المضني لحماية ما تبقّى من استقراره الداخلي، و«يتربّع» في موازاة هذه الحرب على قمّة القلق من التداعيات، والحذر ممتدّ من أدناه إلى أقصاه، فيما الدولة «مستنفرة»، بكلّ مستوياتها، لتجنيب البلد تداعياتها واحتمالاتها الصعبة، وخصوصاً أن ما يجري سيفتح الباب أمام المزيد من الشروط والضغوط على لبنان، وإلا سيكون عرضة للمزيد من الضربات.
