شهد شهر سبتمبر 2025 ذروة التطورات في ملف أشرف مروان، الذي كان سابقاً صهر الرئيس جمال عبد الناصر والموظف رفيع المستوى في دائرة الرئيس أنور السادات.
ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية تحقيقاً موسعاً، اعتمد على وثائق وشهادات استخباراتية غير منشورة، أحدث تحولاً تاريخياً بالإقرار بأن مروان لم يكن "الملاك" الذي خدم إسرائيل، بل كان رأس الحربة لخطة خداع مصرية مُحكمة.
وتم الكشف عن شهادة للجنرال شلومو غازيت (الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية)، نُشرت بعد وفاته، أقر فيها بوضوح أن مروان "استدرج رئيس الموساد زامير كالأبله، وتلاعب به كما أراد". هذه الشهادة تمثل اعترافًا صريحًا بوقوع القيادة الإسرائيلية في الفخ.
هذا الاعتراف المتأخر له تداعيات هائلة؛ فمن جهة، يمثل تثبيتاً نهائياً للرواية المصرية الرسمية بأن مروان كان بطلاً قومياً، مما ينهي الجدل حول وطنيته ويعزز شرعية تكريمه. ومن جهة أخرى، يؤدي إلى تقويض أسطورة الموساد على الساحة الدولية، حيث يُمثل الإقرار بأن أهم مصدر بشري للجهاز في حرب مصيرية كان عميلاً مزدوجاً بمثابة زلزال استخباراتي يضر بصورته وقدراته.
وعلى المستوى العسكري، يُجبر هذا الإقرار المؤرخين والقيادات العسكرية الإسرائيلية على إعادة تقييم حرب 1973 بأكملها، والاعتراف بأن المفاجأة لم تكن مجرد خطأ داخلي في التقدير أو غطرسة، بل كانت نتيجة مباشرة لـ "خداع استراتيجي متقن ومحكم" نفذه الخصم المصري ببراعة.
إن الإقرار بهذه الهزيمة الاستخباراتية يؤكد أن دور مروان في تأخير التحذير وتقديم المعلومات المضللة كان حاسماً في منع إسرائيل من استدعاء كامل قوات الاحتياط في وقت أبكر، مما يؤكد أن مروان كان أداة عبقرية في يد القيادة المصرية.
قبل هذا الاعتراف الصريح، كانت هناك إشارات سابقة بدأت بالظهور، ففي أكتوبر 2021، نشر الأرشيف الإسرائيلي التابع لمكتب رئيس الوزراء بروتوكولات ومستندات تكشف النقاب عن كواليس الفترة التي سبقت وأثناء حرب أكتوبر (حرب يوم الغفران).
1292 صفحة
بلغ عدد المستندات المنشورة 1292 صفحة، وتضمنت 14 محضراً لجلسات أديرت خلال الحرب، و21 محضراً لمشاورات سياسية - أمنية حساسة. وكشفت هذه المواد، التي تم نشرها بعد أمر من المحكمة العليا، أن إسرائيل حصلت بالفعل على معلومات من أشرف مروان قبل الحرب بـ 10 أشهر حول نية مصر شن هجوم.
ولكن الخلافات كانت قائمة بين المسؤولين الإسرائيليين؛ فبينما اعتقد رئيس الموساد، تسفي زامير، أن الرئيس السادات يخضع لضغوطات كبيرة، رجح وزير الجيش آنذاك، موشيه دايان، أن مصر لن تشن حرباً شاملة، بل معارك استنزافية فقط، مما يدل على حالة التضارب والارتباك التي سادت القيادة الإسرائيلية رغم وجود المصدر "الملاك".
كانت بداية القصة مع انخراط مروان في عمليات مع جهاز الموساد في لندن عام 1970، حيث أصبح مصدراً سرياً يحمل الاسم الكودي "الملاك".
اعتمدت خطة عملياته على تزويد الموساد بكميات هائلة من الوثائق والمحاضر السرية، بما في ذلك تفاصيل عن حالة الجيش المصري وتقديراته الاستراتيجية، مما أكسبه ثقة مطلقة. إلا أن هذا التمرير للمعلومات الموثوقة كان مجرد جزء من الخطة المصرية؛ إذ كان الهدف الحقيقي هو التلاعب بالقيادة الإسرائيلية.
شارك مروان في اجتماعات القيادة العليا التي حددت موعد الهجوم الفعلي في 6 أكتوبر. وبدلاً من تمرير هذا التاريخ الحاسم، قام مروان بإرسال سلسلة من الإنذارات الكاذبة والمضللة حول مواعيد هجوم سابقة، مما أدى إلى إرباك الاستخبارات الإسرائيلية.
حتى التحذير الذي نقله لرئيس الموساد تسفي زامير في لندن ليلة 5 أكتوبر 1973 كان جزءاً من الخطة، حيث حرص مروان على أن يكون غامضاً ومتأخراً جداً لضمان عنصر المفاجأة الاستراتيجي لمصر.
