نشرت صحيفة فاينانشيال تايمز مقالاً للكاتب كسينيا سفيتلوفا، عضو سابق في الكنيست الإسرائيلي، وزميل مشارك في "تشاتام هاوس"، والرئيس التنفيذي لمنظمة "روبس" (المنظمة الإقليمية للسلام والاقتصاد والأمن)، أكد فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسير في طريق يحمل الكثير من سوء التقدير، ويعرقل مسيرة سنوات من الشراكة مع دول صديقة، مشيراً إلى أن حسابات نتنياهو الخاطئة تقوض شراكة عربية عمرها 46 عاماً مع مصر، وهي تلك الشراكة التي وضعت أسس السلام في المنطقة.
وقال سفيتلوفا في مقاله: "يمثل تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الشهر بعرقلة صفقة غاز مع مصر بقيمة 35 مليار دولار، سوء تقدير خطير يهدد بتقويض الشراكة العربية الأكثر حيوية لإسرائيل. وقد برر نتنياهو قراره بوجود انتهاكات مصرية مزعومة لمعاهدة السلام عبر نشر قوات عسكرية في سيناء، وهو ادعاء تنفيه مصر ويعكس نمطاً مقلقاً من الأزمات المفتعلة التي تهدف إلى الضغط على القاهرة لقبول سياسات لا يمكن لأي حكومة مصرية تبنيها على الإطلاق، فبعد 46 عاماً من السلام البارد والتعاون البنّاء في مجمله، تهب الآن رياح عدائية متزايدة من القدس نحو القاهرة، ويمثل هذا التحول خطأً استراتيجياً فادحاً في وقت تواجه فيه مصر بالفعل ضغوطاً محلية ودولية هائلة بسبب الوضع في غزة.
ادعاءات دعائية
وأضاف عضو الكنيسيت السابق مفنداً الادعاءات الإسرائيلية حول مصر: "تتبع هذه الادعاءات ضد مصر سيناريو مألوفاً؛ حيث يطلق نتنياهو أو "مصادر حكومية" مجهولة ادعاءات خطيرة حول انتهاكات محتملة، وسرعان ما تردد وسائل الإعلام هذه الادعاءات، ثم يتولى أنصار حزب الليكود الدفاع عنها بشراسة عبر شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي وقت سابق من هذا العام، حذر سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، يائيل ليتر، منظمات يهودية أمريكية من وجود أسلحة هجومية مزعومة في سيناء، مدعياً أنها تشكل "انتهاكاً واضحاً" للمعاهدة، وتعهد بأن إسرائيل ستتعامل "قريباً وبشكل حاسم للغاية" مع الحشد العسكري المصري المزعوم، إلا أن هذه الادعاءات تم تفنيدها لاحقاً من قبل مسؤولين أمنيين إسرائيليين، الذين أوضحوا أن التقارير المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي حول زيادة القوات المصرية في سيناء "غير صحيحة" و"نشرتها شخصيات يمينية لأسباب سياسية".
وواصل كسينيا سفيتلوفا قائلاً: "وجود القوات المصرية في سيناء يخضع لمراقبة مستمرة، ليس فقط من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي، بل أيضاً من خلال أقوى قوة مراقبة في الشرق الأوسط، وكان من شأن صفقة الغاز المعطلة أن تحقق فوائد متبادلة هائلة، تشمل زيادة إنتاج الغاز الإسرائيلي، وتوسيع البنية التحتية للتصدير، واستثمار مصر 400 مليون دولار في خطوط الأنابيب، فمصر بحاجة ماسة إلى الغاز لسوقها المحلي، بينما كانت الشركات الإسرائيلية ستحقق أرباحاً طائلة".
السبب الحقيقي
وأضاف سفيتلوفا: "يكمن السبب الحقيقي وراء عرقلة المسؤولين الإسرائيليين للصفقة في سياستهم تجاه غزة، أو بالأحرى، غياب سياسة متماسكة، فهم يرفضون مناقشة أي خطط واقعية "لليوم التالي" للحرب، ويكتفون بترديد شعار فارغ: "لا لحماس ولا للسلطة الفلسطينية"، وقد أفسح هذا الفراغ السياسي المجال لأوهام متطرفة، من بينها توقّع أن تقبل مصر "إعادة توطين طوعية" للفلسطينيين من غزة، وقد لمح ليتر إلى هذه الاستراتيجية في فبراير الماضي، كما اقترح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن تقوم مصر والأردن ودول أخرى باستيعاب سكان غزة.
وأشار سفيتلوفا إلى أن توقيت تعليق صفقة الغاز، يتزامن مع احتمال إعادة احتلال إسرائيل لمدينة غزة، مما يدلل على حملة ضغط منسقة مرتبطة برؤية ما يسمى "ريفييرا غزة"، موضحاً أن هذا النهج ينم عن سوء فهم عميق للخطوط الحمراء المصرية، ومؤكداً أنه لا توجد حكومة مصرية يمكن أن تشارك في تهجير قسري للفلسطينيين، لما لذلك من تداعيات أمنية مدمرة وتكاليف سياسية باهظة.
ثمن باهظ
وقال العضو السابق في الكنيست الإسرائيلي: "دفعت مصر ثمناً باهظاً للحفاظ على السلام مع إسرائيل خلال حرب غزة، حيث تعرضت بعثاتها الدبلوماسية حول العالم لهجمات من قبل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين، بينما تواجه القاهرة انتقادات بسبب تعاونها مع السياسات الإسرائيلية، ويهدد المسار الحالي بتقويض جميع أشكال التعاون بين البلدين، فمع عدم وجود سفراء حالياً في القاهرة أو تل أبيب، تضيق القنوات الدبلوماسية في وقت أصبح فيه توسيع الحوار ضرورة ملحة، وتظل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979 واحدة من أنجح الإنجازات الدبلوماسية في الشرق الأوسط، حيث أرست الأساس لاستقرار إقليمي أوسع، وفي مارس الماضي فقط، أشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الاتفاقية باعتبارها "نموذجاً يحتذى به"، لكن اتفاقيات السلام تتطلب الرعاية، لا الاستغلال".
وختم سفيتلوفا قائلاً: "من خلال التعامل مع مصر كساحة محتملة لتفريغ أعباء سكانية غير مرغوب فيها بدلاً من كونها شريكاً قيّماً في الأمن الإقليمي، تخاطر إسرائيل بتنفير أهم دولة في العالم العربي، وبعد هجمات الدوحة، قد تستعيد مصر دورها كوسيط رئيسي في المفاوضات بين إسرائيل وحماس، والمصالح الإسرائيلية طويلة الأمد تتطلب التخلي عن أوهام نقل الفلسطينيين والاعتراف بالمخاوف المشروعة لمصر، يجب المضي قدماً في صفقة الغاز لأنها مفيدة للطرفين، وليس استخدامها كأداة لإكراه القاهرة على تبني سياسات لا يمكن تحملها سياسياً".
