تحاول الحكومة السورية منذ إسقاط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، إعادة تعريف هوية الاقتصاد السوري منتقلة من نموذج مركزي بيروقراطي إلى اقتصاد السوق الحر، والانخراط من جديد في النظام المالي والاقتصادي العالمي.
وبقيت ثلاثة عوائق رئيسية تشكل «المقاومة الخفية» أمام عودة الاقتصاد السوري إلى وضعه الطبيعي:
أولاً: السنوات الطويلة من العقوبات جعلت المصارف الدولية تطبّق معايير امتثال صارمة تحتاج وقتاً لتخفيفها، وثانياً: إن بقاء العقوبات على الأفراد والجهات المرتبطة بالتنظيمات المتطرفة يتطلب من الشركات تدقيقاً قانونياً عميقاً قبل الدخول في أي صفقة، وثالثاً: إن الغرب أبقى على حقه في إعادة فرض العقوبات في حال انحرف المسار السياسي أو الأمني، وهو ما يجعل جزءاً من رأس المال الأجنبي يتعامل بحذر مع السوق السورية.
لكن في المحصلة، انتقلت سوريا من دولة خاضعة لمنظومة عقوبات شاملة إلى دولة يجري فك قيودها الاقتصادية تدريجياً مع الحفاظ على أدوات سياسية وأمنية. العقوبات الاقتصادية الكبرى رُفعت أو عُلّقت تقريباً بالكامل، لكن العقوبات الموجّهة بقيت فاعلة، كما بقيت آليات الامتثال والمخاطر القانونية تشكّل حاجزاً أمام العودة السريعة للاستثمارات الضخمة. ومع ذلك، فإن ما حدث خلال عام واحد يمثّل أكبر تحول في العلاقة بين سوريا والغرب، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة الإعمار وإعادة الاندماج في الاقتصاد الإقليمي والدولي.
يشار إلى أنه في أغسطس الماضي، وقّعت الحكومة السورية مذكرات تفاهم استثمارية مع عدد من الشركات الدولية بقيمة إجمالية بلغت 14 مليار دولار، تضمنت حزمة من المشاريع الاستراتيجية الكبرى، شكّلت أحد أبرز عناوين الحراك الاستثماري خلال العام.
ومن أبرز المشاريع مطار دمشق الدولي باستثمار 4 مليارات دولار، ومترو دمشق باستثمار ملياري دولار كمشروع حيوي للبنية التحتية والتنقل الحضري، وأبراج دمشق باستثمار ملياري دولار، وأبراج البرامكة باستثمار 500 مليون دولار، ومول البرامكة باستثمار 60 مليون دولار، في إطار خطة لإعادة تشكيل المشهد العمراني والخدمي في العاصمة. فيما تم إطلاق قانون الاستثمار الجديد، الذي وصفه الرئيس السوري أحمد الشرع بأنه من بين «أفضل 10 قوانين استثمار في العالم»، في إشارة إلى حجم الحوافز والضمانات التي يتضمنها، بينما يظل «التطبيق» هو التحدي الأهم.
