نتنياهو بلا قيود.. هل يتسبب في تدمير «إسبارطة وأثينا» معاً؟

لم تعد العزلة التي تعيشها إسرائيل محل مكابرة، فقد اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بنفسه من تهديد العزلة الدولية المتزايد الذي تواجهه إسرائيل، لكنه لم يبد علامة على التراجع عن النهج الذي يدفع بمزيد من العزلة، بل تحدى هذا الواقع برؤية تتضمن الاستمرار في النهج الحالي من حروب وغارات في المحيط بأكمله، واستعار من التاريخ - وهو المولع بالتاريخ - أثينا وإسبارطة اللتان كانت نموذجين مختلفين، الأولى للعلم والمعرفة والديمقراطية، والثانية للروح العسكرية القتالية. وفق توليفة نتنياهو فإن إسرائيل ليس لديها خيار سوى أن تصبح «أثينا و-إسبارطة عظمى- معاً»، أي ما يسميه اتحاد العقل والقوة. 

قبل اندلاع الحرب في غزة، لم يكن نتنياهو معروفاً بالمجازفة، وفق تحليل لصحيفة نيويورك تايمز. كانت خطبه جريئة، لكن أفعاله أقل جرأة. غير أنه الآن، بإرسال الجيش الإسرائيلي إلى مدينة غزة، يبدو وكأنه تخلّى عن أي قيود.

هذا الأسبوع، اقترح نتنياهو أن تتحول إسرائيل إلى «إسبارطة عظمى»، في إشارة إلى دولة المدينة اليونانية القديمة التي صعدت بقوة الانضباط لتصبح قوة عسكرية كبرى، معتبراً أنها يجب أن تكون مصدر إلهام لإسرائيل. وخلال كلمة في مؤتمر اقتصادي في القدس، الاثنين، قال إن على إسرائيل أن تكون مستعدة لمواجهة «العزلة» عبر «الاكتفاء الذاتي» الاقتصادي.

كانت تصريحاته صادمة للداخل الإسرائيلي. قال إيتمار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة: «لقد فقد صوابه. لم تعد هناك خطوط حمراء».

نتنياهو، الذي يتعرض للضغوط من عائلات الرهائن، ويواجه احتجاجات شعبية واسعة، وانتقادات حادة من حلفاء أوروبيين، لم يزدد إلا عناداً وتحدياً.

هذا الشهر تعهّد قائلاً: «لن تكون هناك دولة فلسطينية». وحتى لو كان منع قيام دولة فلسطينية هو الشغل الشاغل لمسيرته السياسية، فإنه بات أكثر وضوحاً في الآونة الأخيرة. وقد مثّل تصريحه هذا توبيخاً لدول من بينها فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا التي أعلنت أنها ستعترف بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ الأسبوع المقبل.

مع ذلك - وفق نيويورك تايمز- سيكون من المضلل اعتبار أن عناد نتنياهو المتزايد أو تبجحه مؤشر على سقوط وشيك. فهو لم يجمع ما يقارب 18 عاماً في منصب رئيس الوزراء ويصبح الزعيم الأطول بقاءً في الحكم من دون أن يثبت أنه سياسي بارع، متكيّف، وشرس. ويردد أنصاره المتشددون هتافهم الشهير: «فقط بيبي!» في إشارة إلى لقبه الشائع.

بالنسبة لمؤيديه، هو «الملك» الذي لا يمكن استبداله، الرجل الوحيد الذي يملك الشجاعة لمواجهة أعداء إسرائيل على سبع جبهات. لقد أدى اغتياله قيادة حزب الله في لبنان وتقويضه طموحات إيران النووية عبر حرب قصيرة إلى انتشار الحديث في المنطقة عن «إسرائيل إمبراطورية».

في هذه اللحظة المتوترة من تاريخ إسرائيل، يمتلك نتنياهو ميزة واضحة: الدعم شبه غير المشروط من الرئيس ترامب. عالم ينجرف تحت تأثير ترامب في اتجاه سلطوي ساعد على ولادة «نتنياهو بلا قيود» وفق وصف الصحيفة. لقد ازدادت جرأته لأنه أصبح على يقين، أكثر من أي وقت مضى، أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبه مهما حدث.

وقال إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وأحد أشد منتقدي نتنياهو: «ترامب هو الشخص الوحيد على وجه الأرض القادر على إملاء ما يجب على نتنياهو فعله».

وأضاف أولمرت: «ما يفعله نتنياهو الآن في غزة وحشي بشكل فاضح. كيف يمكن لوزراء في أعلى المستويات أن يقولوا إن كل سكان غزة هم حماس ثم يجمعونهم في مخيمات؟ نحن في معركة من أجل روح إسرائيل».

لماذا تراجع عن الصفقة؟

وأظهر استطلاع أجرته القناة 12 هذا الشهر أن حزب الليكود بزعامة نتنياهو سيتصدر أي انتخابات مقبلة بـ 24 مقعداً، لكنه أشار إلى أن أحزاب اليمين المتطرف المشاركة في ائتلافه ستفشل في الحصول على عدد كافٍ من المقاعد في الكنيست المؤلف من 120 مقعداً لتجديد التحالف. ومع ذلك، ومع بقاء أكثر من عام على موعد الانتخابات، فإن خيارات نتنياهو السياسية ما تزال بعيدة عن النفاد.

وخلال زيارة استغرقت يومين هذا الأسبوع من قبل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، لم يكن هناك أي تلميح إلى انتقاد أميركي، حتى بعد محاولة إسرائيل الأخيرة اغتيال قادة من حماس في قطر، الحليف المهم للولايات المتحدة. وقال روبيو إن الولايات المتحدة لا تعوّل على صفقة مع حماس، التي وصفها بأنها «جماعة إرهابية، جماعة همجية، مهمتها المعلنة هي تدمير الدولة اليهودية»، على حد تعبيره.

وبما أن تصريحات ترامب حول الحرب تتسم بعدم القدرة على التنبؤ وتميل إلى النفاد صبراً، لكنها دائماً ما تنطلق من دعم لا يتزعزع لإسرائيل، فإن ذلك يترك لنتنياهو مساحة واسعة للمناورة.

قبل شهرين، بدا أن نتنياهو يفكر جدياً في صفقة محتملة مع حماس كان من شأنها أن تؤدي إلى الإفراج عن 10 رهائن إسرائيليين أحياء مقابل إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين ووقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً يجري خلاله التفاوض على إنهاء الحرب.

ثم ذهب إلى واشنطن، والتقى ترامب، وغيّر رأيه، وبدأ التخطيط للهجوم على مدينة غزة الذي رافقه إطالة أمد الحرب وتفاقم معاناة الفلسطينيين في غزة.

وفق تحليل نيويورك تايمز، فإن إسرائيل في حالة حرب، إسرائيل التي يصورها نتنياهو في خطر وجودي داهم، تناسبه أكثر. فهي تلعب على نقاط قوته التكتيكية. وفي النهاية، على الأقل من وجهة نظر عائلات الرهائن والعديد من أنصارهم الغاضبين، فإن بقاء نتنياهو السياسي يتفوق على بقاء الرهائن أنفسهم.

الحياة أهم من القانون!

وقالت إيناف زانغاوكر، والدة الرهينة ماتان زانغاوكر، يوم الثلاثاء: «يتم التضحية بابني ماتان على مذبح نتنياهو».

وأعلن إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، هذا الأسبوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي دعمه القوي لقرار نتنياهو التقدم إلى مدينة غزة، قائلاً: «لقد حان اللحظة الحاسمة»، وأرفق عبارته برمزين تعبيريين: أحدهما نار والآخر إكس أحمر في إشارة إلى محو حماس أو غزة أو كليهما.

أما نتنياهو نفسه، فقد أصر هذا الأسبوع على أن «الحياة أهم من القانون». قال ذلك وكأنه يشير إلى أن القانون يعني الموت!