كيف أصبحت حرب أوكرانيا «حرب ترامب»؟

كان إيقاف الحرب في أوكرانيا على رأس أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتباهى مراراً قبل فوز بالرئاسة أنه قادر على إيقاف الحرب خلال 24 ساعة. لكن بعد مرور ما يقارب سبعة أشهر على توليه الرئاسة، يبدو أن حرب أوكرانيا أصبحت شيئاً فشيئاً حرب ترامب.

وفق تحليل نشرته شبكة "سي إن إن"، فإن المنصب الأقوى في العالم لا يتيح دائماً خيار التهرّب. إذ إن ترامب بات مضطراً للتعامل مع أكبر صراع يشهده القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، لأن الولايات المتحدة، في عهد سلفه، كانت الراعي الأساسي والحليف الأبرز لأوكرانيا.

كان بإمكان ترامب أن يتجاهل الحرب كليا، لكنه اختار أن يضع بصمته الشخصية عليها، بدءا بتعهّد مثير للجدل بأنه قادر على إنهائها خلال 24 ساعة، قبل أن يُعدّل المدة إلى 100 يوم. ثم حاول التعامل مع الشخصيات الأساسية في الحرب، فاقترب من الرئيس الروسي في البداية وكرّر بعض رواياته، قبل أن يوبّخ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي علناً في المكتب البيضاوي. كما وجّه ضربة قوية إلى حلفائه في «الناتو» مطالبا إياهم بدفع المزيد للدفاع عن أوروبا، وهو ما استجابوا له. وبعد ذلك انطلقت عجلة الدبلوماسية بصعوبة، لكنها حققت نتائج ضئيلة جداً.

غير أنّ القرارات التي اتخذها ترامب خلال الأسبوعين الماضيين جعلت الحرب تتحوّل رسمياً إلى مشكلة يتحمل مسؤوليتها، وفق "سي إن إن". فقد أدرك أن بوتين لا يريد السلام وفق رأيه، ورأى أن أوكرانيا بحاجة ماسة إلى السلاح وحاول تقديم المساعدة وإنْ بصورة باهتة. كما اتخذ خطوة لافتة حين ردّ على تهديدات ديميتري ميدفيديف النووية – التي غالباً ما كانت تُقابل بالتجاهل – بتهديداتٍ نووية أكثر حدّة، تمثلت في التلويح بنشر غواصات أميركية أقرب إلى روسيا. وهكذا انتقلت الولايات المتحدة في أقل من شهر من تعليق مساعداتها العسكرية لأوكرانيا إلى التهديد باستخدام السلاح النووي ضد روسيا.

ومع اقتراب المهلة الزمنية التي حدّدها ترامب للتوصل إلى اتفاق سلام، يواجه اليوم أحد أكثر قرارات الصراع خطورة. فهل يفرض عقوبات موجعة حقا، مثل فرض تعريفات ثانوية على زبائن الطاقة الروسية؟ وهل سيقبل بأن تتحمل الولايات المتحدة وحلفاؤها بعض الألم الاقتصادي لإيذاء موسكو؟

إن فرض عقوبات ثانوية جدية على الهند والصين قد يشعل أسواق الطاقة العالمية. وقد أعلن ترامب، الاثنين، أنه سيزيد الرسوم على الهند لأنها تبيع النفط الروسي محققة أرباحاً. وحتى الآن، لم تُبدِ الهند نيةً واضحة للتوقف عن شراء الطاقة الروسية، فيما تعتمد الصين بشكل شبه كامل على النفط والغاز الروسيين ولا تستطيع التوقف عن شرائهما.

ولتفادي تكرار ما يسخر منه منتقدوه بوصفه «تراجع ترامب المعتاد»، وفق التحليل، سيكون عليه إلحاق بعض الألم بالآخرين، وربما تحمّل ارتدادات ذلك. أو يمكنه البحث عن «مخرج آمن» إذا قُدّم له عرض أثناء زيارة مرتقبة لمبعوثه الخاص ستيف ويتكوف إلى موسكو هذا الأسبوع. وقد يقبل ترامب بلقاء ثنائي مع بوتين بوصفه مؤشرا على تقدم نحو السلام.

ويخلص تحليل "سي إن إن" إلى أنه لا يمكن لترامب أن يجمع بين كل الخيارات. فبطبيعته يسعى لأن يكون محور كل القرارات وموضع كل الأضواء في أي قضية. وكل نقطة تحوّل حتى الآن كانت مرتبطة بخياره الشخصي. وهنا يبرز درس جوهري في الرئاسة الأميركية:

ترامب لا يملك حرية اختيار الأزمات التي تخصه وتلك التي يمكنه تجاهلها. فمبدأ «أميركا أولًا» يهدف إلى تقليص الانخراط الأميركي عالمياً، لكنه لا يسمح للرئيس بأن ينسب لنفسه النجاحات وحدها ويتنصل من الإخفاقات. إلا إذا قرر تقليص البصمة الأميركية في العالم إلى الصفر – وهو أمر لا ينسجم مع شخصية رئاسية تتحرك دائما وتحب إحداث الضجيج – ستظل هناك دائما أزمات تتحملها الولايات المتحدة.