روسيا تغرق أوكرانيا بـ "المسيّرات".. كيف حققت الاكتفاء الذاتي وسط الحرب؟

مسيرة روسية أسقطتها الدفاعات الأوكرانية
مسيرة روسية أسقطتها الدفاعات الأوكرانية

واجهت روسيا في بدايات الحرب الأوكرانية نقصاً في مخزون الطائرات المسيّرة، ما منح الجانب الأوكراني ميزة نسبية في شن هجمات بعيدة المدى بالمسيرات. وحاولت روسيا تعويض هذه الصغرة باستيراد مسيّرات من دول حليفة لها، لكنها في النهاية نجحت في سد هذا النقص في الشهور الأخيرة عبر مصانع تنتج طائرات مسيرة نوعية بكثافة على أراضيها. 

هذا الأسبوع شنّت روسيا أكبر هجوم بالمسيرات على أوكرانيا منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، استخدمت خلالها 728 مسيّرة، وباتت الدفاعات الأوكرانية تعاني بالفعل من محاولات روسيا إغراقها بالمسيّرات.

تتبع تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" عملية التحول في صناعة المسيرات الروسية، حيث بدأت المصانع الروسية على مدى العام الماضي بإنتاج كميات ضخمة من الطائرات المسيّرة الهجومية، مما أدى إلى بناء أسطول فتّاك من هذه المسيّرات التي باتت تحلّق فوق الأجواء الأوكرانية بأعداد قياسية شبه يوميًا.

ووفقًا للمسؤولين الأوكرانيين، فقد كان الهجوم الذي نُفذ فجر الأربعاء هو الأكبر حتى الآن. ففي ساعات الصباح الأولى، أطلقت روسيا 728 مسيّرة وذخائر تمويهية باتجاه مدن في غرب أوكرانيا. وجاء هذا الهجوم بعد ساعات قليلة فقط من انتقاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لموسكو على تباطئها في محادثات السلام، قائلاً إن الولايات المتحدة تتلقّى «الكثير من الهراء» من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ووفقا لتحليل أجراه «مركز المرونة الإعلامية» في بريطانيا، وهو منظمة تحقق في المصادر المفتوحة، فقد أُطلقت أكثر من 24 ألف مسيّرة نحو المدن والبلدات الأوكرانية منذ بداية هذا العام. وشهد هجوم الأربعاء وحده استخدام عدد من المسيّرات يفوق ما استخدمته روسيا في شهر يوليو من العام الماضي بأكمله.

وقال يوري إهنات، المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية: «إنهم يحققون أرقامًا قياسية باستمرار».

وقد تزامنت الهجمات الأكبر مع تصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة. إذ سجّلت روسيا رقماً قياسياً سابقاً قبل أيام، عقب اتصال هاتفي جرى بين ترامب وبوتين، عبّر فيه الرئيس الأميركي عن خيبة أمله من رفض بوتين وقف الحرب.

وفق وول ستريت جورنال، مهد الطريق أمام هذه الهجمات الجوية واسعة النطاق اتفاق وقعته روسيا مع إيران في نوفمبر 2022، نصّ على شراء وإنتاج مسيرات «شاهد» الهجومية على الأراضي الروسية. ودفعت موسكو 1.75 مليار دولار مقابل التكنولوجيا والمعدات والشيفرات المصدرية وشراء 6 آلاف طائرة مسيّرة، وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة C4ADS، وهي منظمة غير ربحية.

في ذلك الوقت، كانت روسيا قد استنفدت جزءاً كبيراً من مخزونها من الصواريخ بعيدة المدى، وكانت المسيّرات المشتراة فعالة ورخيصة نسبياً، مما وفّر لها حلاً بديلًا لمواصلة الضربات الجوية. وتختلف التقديرات بشأن تكلفة إنتاج المسيّرة الواحدة، حيث تتراوح بين 35,000 و60,000 دولار، بحسب محللين في شؤون الدفاع.

وقد جرى شحن النماذج الأولية مباشرة من إيران، لكن روسيا دفعت أيضاً مقابل نقل التكنولوجيا، وتدريجياً تمكّنت من إتقان سلسلة الإنتاج. ففي منطقة ألابوغا الاقتصادية الخاصة في تتارستان شرقي موسكو، جرى توسيع منشآت لتلبية متطلبات التصنيع، بالاعتماد على مكوّنات صينية، وعمالة جرى استقدامها من أفريقيا.

ورغم أن مسيّرات أوكرانية استهدفت المنشأة عدة مرات، فإن روسيا تمكنت من مواصلة الإنتاج، ويقول مسؤولو الاستخبارات في كييف إن موسكو بدأت لاحقًا بنقل أجزاء من خطوط الإنتاج إلى منشآت أخرى داخل البلاد.

وتعتبر موسكو أن تصنيع المسيّرات محليا وسيلة لتقليل اعتمادها على حلفائها، وهي خطوة ثبتت أهميتها في ضوء القصف الإسرائيلي المكثف لإيران الشهر الماضي، واستنزاف مخزونها من المسيّرات نتيجة الهجمات المضادة على إسرائيل.

كما أجرت روسيا تحسينات على تصميمات «شاهد» الأصلية، فأصبحت النسخ الروسية أسرع وأكثر هدوءا، مما زاد من قدرتها على المناورة والتسبب بأضرار أكبر.

ويقول المسؤولون الأوكرانيون إن روسيا تنتج حاليًا أكثر من 5,000 مسيّرة بعيدة المدى شهريًا، وبعضها يمكنه التحليق لمسافة تصل إلى 2,500 كيلومتر. وهذا ما مكّن موسكو من إغراق الأجواء الأوكرانية بهذه المسيّرات الهجومية.

وتواجه أوكرانيا هذا التهديد باستخدام مقاتلات حربية ومروحيات، ونشر فرق دفاع جوي متنقلة على الأرض، واعتمادًا متزايدًا على المسيّرات المخصصة لاعتراض المسيّرات الروسية.

في المقابل، تغيّر روسيا باستمرار من تكتيكاتها لتحقيق أقصى قدر من الضرر. ويتمثل أحد أهدافها الأساسية في إجبار أوكرانيا على استخدام صواريخ اعتراض باهظة الثمن ضد مسيّرات وهمية لا تحمل أي رؤوس حربية. وتستخدم موسكو مئات من هذه المسيّرات المقلّدة، التي تشبه «شاهد» من حيث الشكل، لتشتيت دفاعات أوكرانيا الجوية عن التهديدات الحقيقية.