طيران الإمارات وفلاي دبي ترسمان مستقبل الطيران بالمنطقة

تشهد صناعة الطيران في منطقة الشرق الأوسط تحوّلاً استراتيجياً بقيادة الناقلات الإماراتية، وعلى رأسها طيران الإمارات وفلاي دبي، اللتان تبرزان كقوة دافعة رئيسية في مشهد تنافسي متسارع يجمع بين التوسع الجغرافي، والتكامل التشغيلي، والخدمات عالية المستوى.

وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة «أو إيه جي» الدولية المزوّدة لبيانات المطارات وشركات الطيران، ونُشر تحت عنوان «سماء الشرق الأوسط: عصر جديد من المنافسة، السعة والنمو»، تواصل كل من طيران الإمارات وفلاي دبي تصدّرهما كأكبر مشغّلَين في الشرق الأوسط من حيث السعة، بإجمالي يتجاوز 50 مليون مقعد مغادر سنوياً، أي ما يعادل 23% من السوق الإقليمي. ويعود هذا التفوق إلى النمو المستمر في السعة التشغيلية، وربط الشبكات، والخدمة عالية المستوى التي أصبحت علامة فارقة في قطاع الطيران الإماراتي.

عملاق عالمي بأرباح استثنائية

في عام 2024، حافظت طيران الإمارات على موقعها ضمن أكبر شركات الطيران في العالم، حيث جاءت في المرتبة الرابعة عالمياً من حيث الكيلومترات المتوفرة للمقاعد (ASKs)، والمرتبة 14 من حيث السعة المقعدية. ووفقاً للتقرير، بلغ متوسط ربح الشركة أكثر من 104 دولارات لكل راكب مغادر في عام 2023، ما يضعها في موقع فريد من حيث الكفاءة التشغيلية والربحية، مقارنة بشركات أخرى في المنطقة مثل «الطيران العُماني» الذي سجّل خسارة تُقدَّر بـ83 دولاراً لكل راكب.

وتُشغّل طيران الإمارات إحدى أطول الرحلات المباشرة في العالم بين دبي وأوكلاند، بمسافة تبلغ 7664 ميلاً بحرياً، ما يعكس قوة أسطولها وشبكة وجهاتها العالمية. من جهتها، حققت فلاي دبي نمواً في السعة بنسبة 56% مقارنة بعام 2019، لتصل إلى نحو 14.4 مليون مقعد مغادر. كما ارتفعت نسبة الركاب العابرين (ترانزيت) عبر دبي على متن رحلاتها من 31% في عام 2015 إلى 41% في 2024، في مؤشر واضح على نجاح استراتيجية التكامل مع طيران الإمارات وتغذية شبكة الوجهات العالمية.

وتستهدف فلاي دبي أسواقاً استراتيجية في جنوب آسيا، حيث تشكّل الرحلات إلى شبه القارة الهندية 70% من إجمالي سعتها الآسيوية، ما يخدم قطاع العمالة الوافدة ويرفع نسب إشغال الرحلات على مدار العام.

ويشير التقرير إلى وجود تناغم واضح في شبكات طيران الإمارات وفلاي دبي، حيث تعمل الشركتان على تنسيق جداول الرحلات، ومراكز العبور، وخدمات الترانزيت، ما يعزز القيمة الاقتصادية لكل رحلة. كما أن نحو 66% من ركاب طيران الإمارات في 2024 استخدموا دبي كنقطة عبور، وهو رقم كبير يعكس المكانة المحورية لدبي كمركز عالمي لحركة الطيران.

وتشكّل الشراكة بين طيران الإمارات وفلاي دبي نموذجاً ناجحاً للتكامل بين ناقلتين تعملان بأنماط مختلفة، إذ تندمج الخبرة العالمية لطيران الإمارات في الرحلات الطويلة مع مرونة فلاي دبي في التشغيل الإقليمي منخفض التكلفة. وتجاوز هذا التعاون الشكل التقليدي بين شركات الطيران، ليصل إلى مستوى عالٍ من الدمج التشغيلي يشمل جداول الرحلات، وخدمات الربط، ومراكز العمليات، وحتى تكامل برامج الولاء، بما يعزز تجربة المسافر ويرفع الكفاءة التشغيلية.

الانتقال إلى مطار المستقبل

في ظل خطط التوسع المستقبلية، تستعد طيران الإمارات وفلاي دبي لمرحلة جديدة من النمو عبر الانتقال إلى مطار دبي وورلد سنترال (DWC)، الذي يُتوقع أن تصل طاقته الاستيعابية إلى 260 مليون مسافر سنوياً، ليصبح بذلك أكبر مطار في العالم من حيث الطاقة التشغيلية. ومن شأن هذا التوسع أن يعزز قدرة الناقلات الإماراتية على استيعاب الطلب المتزايد على السفر وفتح خطوط جديدة إلى أسواق لم تُخدم بعد.

وسجلت منطقة الشرق الأوسط 270 مليون مقعد باتجاه واحد في عام 2024، لتحتل المركز السادس عالمياً من حيث إجمالي سعة الطيران المجدولة، متقدمة على أوروبا الشرقية ومتأخرة عن جنوب آسيا، وفقاً لتقرير شركة OAG العالمية. وشهدت بعض دول الخليج، مثل البحرين والكويت، نمواً محدوداً في السنوات الأخيرة، مقابل توسّع كبير في أسواق رئيسية مثل الإمارات والسعودية وقطر.

وسجّل الشرق الأوسط ثاني أقوى تعافٍ عالمي في سعة الطيران منذ عام 2019، سواء على صعيد الرحلات المحلية أو الدولية، متفوقاً على معظم المناطق باستثناء جنوب آسيا. وبلغت السعة الدولية للمنطقة 218 مليون مقعد، بنمو يقارب 9% عن مستويات ما قبل الجائحة.

ومع تزايد التعاون بين طيران الإمارات وفلاي دبي واقتراب الانتقال إلى مطار دبي وورلد سنترال، الذي سيستوعب في نهاية المطاف 260 مليون مسافر سنوياً، تتجه المنافسة في سوق الطيران الإقليمي إلى مستويات غير مسبوقة. ويُتوقّع أن يشكّل إطلاق «طيران الرياض» إحدى أبرز موجات التغيير في سوق الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة، إلى جانب خطط توسع «الخطوط السعودية» وانتقالها إلى مقرها الجديد في جدة.