تحدث صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في لقاء بُث عبر قناة الشارقة، حاوره فيه محمد حسن خلف، مدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، عن آخر إنجازاته التاريخية الفكرية «البرتغاليون في بحر عُمان.. أحداث في حوليات، من 1497م إلى 1757م»، ويحتوي على 21 مجلداً، يروي فيها سموه تفاصيل أحداث مرتبطة بشكل مباشر بالمنطقة وتاريخها، وبحر عُمان بشكل خاص.
واستهل صاحب السمو حاكم الشارقة اللقاء التلفزيوني بشرح مفصل لفكرة مشروع جمع وترجمة وطباعة الوثائق التاريخية الذي يعمل عليه سموه، ذاكراً أنه في عام 1985م وبعد إتمامه لدرجة الدكتوراه وطباعة سموه للأطروحة في كتاب، ذهب سموه إلى مكتبة الهند في بريطانيا.
وقابل مديرها السيد «بلومفيلد»، الذي كان يمتلك خلفية كاملة عن التاريخ في جميع المجالات، منها المكتبات والإدارة وغيرها، وهو من حول مكتبة الهند إلى المكتبة البريطانية الكبرى بمقرها الجديد.
وأوضح سموه أنه سلم مدير المكتبة البريطانية الأطروحة، التي أخذ يقلبها متسائلاً عن مصادر الوثائق التي جاءت فيها، سارداً سموه تفاصيل جهوده في الحصول على الوثائق البريطانية وانتقال سموه لمدينة «مومباي» الهندية للحصول على نُسخ من الوثائق.
وذلك لإتمام دراسة الدكتوراه بعد صعوبة الحصول عليها في بريطانيا، وكانت فكرة الذهاب إلى «مومباي» من سيدة هندية عجوز كانت تجلس في المكتبة وتعمل على أطروحة. وأخذ صاحب السمو حاكم الشارقة يشرح للسيد «بلومفيلد» تفاصيل العقبات التي يواجهها الدارس في مكتبته.
مشيداً سموه بمكتبة «مومباي» من حيث تفاصيل الكتب المبوبة للوثائق وسلاسة الحصول على المعلومات والمصادر، قائلاً سموه إن هذه الإشكاليات نفسها التي يواجهها اليوم هنا في المكتبة البريطانية كانت قد حصلت لسموه في البرتغال.
موضحاً سموه رغبته في الحصول على الوثائق الشبيهة في المكتبة البريطانية، وقام سموه بتصوير جميع الوثائق والاستعانة بأشخاص مفرغين بعد تقديم التسهيلات من مدير المكتبة.
مبيناً أنه عمل الخطوات نفسها في مكتبة في البرتغال للحصول على وثائق تاريخية تساعد سموه في دراسته وإصداراته. وأشار سموه إلى أنه استعان بجهود موظفة في المكتبة البريطانية كانت تعمل في قسم الوثائق البرتغالية وتدعى «فيونا ويلكي».
حيث استأذن سموه مدير المكتبة بأن تُحال للتقاعد، وتكفل سموه بتكاليف تقاعدها وتوظيفها مع سموه لتساعده في تجميع الوثائق البرتغالية، مشيراً سموه إلى أن المكتبة كانت تحتفظ بالوثائق البرتغالية.
وذلك بعد استعادة «مومباي» من البرتغاليين، حيث أرادوا معرفة ودراسة المنطقة، كاشفاً سموه أن نقل وترجمة الوثائق البرتغالية للمكتبة البريطانية استغرق 5 سنوات.
تاريخ الخليج
وبيّن سموه أن الوثائق البرتغالية تتناول «مومباي» وما وراءها، وهي التي تهم الأشخاص هناك، موضحاً سموه اهتمامه بمعرفة الوثائق البرتغالية التي تتحدث عن تاريخ الخليج وبحر عُمان.
وكانت «فيونا» حلقة الوصل بين سموه والمكتبة البريطانية للحصول على الوثائق البرتغالية، والتي خصص لها سموه مكتباً في «لندن»، واستقطبت 4 أشخاص يتحدثون اللغة البرتغالية القديمة ويترجمونها للغة البرتغالية الحديثة، بالإضافة إلى فريق عمل متخصص عالي التأهيل يتكون من 29 شخصاً.
وأضاف سموه أن «فيونا» كُلفت بالتعامل مع جميع الوثائق البرتغالية الموجودة في مراكز مختلفة حول العالم، حيث تتوزع الوثائق في الأرشيف الوطني البرتغالي ولها النصيب الأكبر، بالإضافة إلى أرشيف الكنائس والجيوش والموانئ.
وأشار صاحب السمو حاكم الشارقة إلى أنه عمل أيضاً مع شخص يدعى السيد «مايكل بيندر»، كان يعمل في وظيفة مسؤول مالي بشركة نفط الهلال، وخصص له سموه مكتباً قريباً من منزله في منطقة يورك في الشمال البريطاني.
وكانت تعمل معه سيدتان تقومان باستلام الوثائق من المكتبة البريطانية عبر نقلها لمنطقة «يورك»، وتقومان بتحويل الوثائق من خطوط الكتابة اليدوية إلى طباعة بالآلة الطابعة، ويقوم سموه بالتأكد من صحتها ومراجعة ما تم طباعته مع السيد «بيندر» عبر الاتصال الهاتفي أو عبر رسائل البريد. وشرح سموه آلية عمل الفرق التي يأتي بعضها بالوثائق، ومن ثم ترجمتها وطباعتها ويتم إدخالها كملف وترتيبها.
وأوضح صاحب السمو حاكم الشارقة أنه تتم المراجعة والوقوف على الاختلافات في الأسماء العربية والمناطق المذكورة في الوثائق، لافتاً سموه إلى أنه وفر تعريفات على هامش كل صفحة توضح هذه الاختلافات، وهي ستفيد كل من سيبحث في الكتب، مشيراً سموه إلى أن العمل في جمع هذه الوثائق وطباعتها بهذه الصورة حتى صدور هذه السلسلة استغرق 36 عاماً، بداية من عام 1989م لغاية يومنا هذا.
وكشف سموه أنه في شهر أغسطس من عام 2006م، أي بعد 18 عاماً من بدء جمع وترجمة وطباعة الوثائق التاريخية، كان سموه يصلي صلاة المغرب وتلقى سموه مكالمة لم ينتبه لها إلا في صباح اليوم التالي، وتفيد المكالمة بقدوم «فيونا» مساء أمس لتسليم آخر ملف من الوثائق وتهنئة سموه باكتمال المشروع.
حيث تركت نسختين من الملف الأخير، نسخة واحدة لصاحب السمو حاكم الشارقة، والنسخة الأخرى للسيد «بريدم»، وعندما طلب سموه الاتصال بـ«فيونا» لشكرها، إذ جاء الخبر الصادم بأنها فارقت الحياة بعد تسليمها للملف الأخير وعودتها لمقرها.
وأشار سموه إلى أنه بعد رحيل «فيونا» ذهب «بريدم» لمكتبها وأخذ الأوراق المهمة التي نقلها لمقره، وكانت مرتبة لغاية ديسمبر 2006م، وكتب «بريدم» مذكرة باللغة الإنجليزية حول تفاصيل المشروع.
وتم ترجمتها للغة العربية، وخط فيها جملة قائلاً: «هذه المجموعة من الوثائق والترجمات لم يقم شخص وحتى البرتغاليون أنفسهم بمثل هذا الجمع الذي قام به صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، تم البحث في السجلات الأرشيفية في البرتغال وإسبانيا وغوا ودول أخرى عن مواد ذات صلة، وقد تم نسخ كل ما يتعلق بالخليج من الخط البرتغالي القديم وترجمته للغة الإنجليزية الحديثة».
200 مجلد
وبيّن صاحب السمو حاكم الشارقة أهمية العمل وجمع الوثائق الذي أُنجز، والذي لا يختص بسلسلة «البرتغاليون في بحر عُمان» ومجلداته الـ21 فقط، بل يُمكن من خلالها إصدار أكثر من 200 مجلد فالسلسلة الحالية تخص فقط بحر عُمان.
مبيناً سموه طلب العديد من الأشخاص والمسؤولين كتابة ما يتصل بتاريخ الهند وشرق أفريقيا، لما يمتلكه سموه من معرفة وأدلة ووثائق بالشأن، موضحاً سموه أن هذه الوثائق لا تكون للقراءة اليومية والاستمتاع، بل لخدمة الباحثين والاستفادة منها.
مشيراً إلى أنه في آخر كل مجلد سيجد الباحث دليل الباحثين، الذي كتب فيه سموه ملخصات الأجزاء وتعليق سموه على الأحداث، بالإضافة إلى ترقيم الوثيقة وكتابة أرقام الصفحات، وذلك تسهيلاً على الباحث. وتناول سموه طرق الاستفادة من مخرجات المشروع.
وتحدث عن سبب تسمية الإصدار «البرتغاليون في بحر عُمان»، وتناوله منطقة بحر عُمان التي تمتد من باكستان لغاية مضيق هرمز ومنطقة صلالة في الجنوب، سارداً سموه أحداث هذه المنطقة وطريقة عبور السفن في البحر.
وأشار صاحب السمو حاكم الشارقة إلى أن البرتغال لا تمتلك مركزاً على أراضي الخليج، وأن احتلالها للدول من خلال مراكز مختلفة، ولكنها كانت لا تقود الحروب، بل كانت قوتها في البحر من خلال استخدام سلاح «البارود»، بينما أهالي المنطقة كانت أسلحتهم السيوف، وهذا ما رجح كفة البرتغاليين في الحرب ووفر استقرارهم بالجزر، ضارباً سموه مثلاً عن «مسقط»، وهي جزيرة تحيطها الجبال.
وكشف سموه أن سلسلة «البرتغاليون في بحر عُمان» تضم 1138 وثيقة، وتم وضعها في ذاكرة إلكترونية باللغتين العربية والإنجليزية، وسيتم توزيع 10 آلاف ذاكرة إلكترونية في معرض مسقط الدولي للكتاب هدية للزوار، لنشر الفائدة والانتفاع منها دون مقابل تسهيلاً على الباحثين.
ووصف سموه تاريخ عُمان بالغني والمشرّف والأصيل، مستشهداً سموه بكتابه «سلطان التواريخ» الذي تناول فيه تاريخ ملوك وسلاطين عُمان، ومواجهتهم للاحتلال وانتصارهم عليهم وطردهم، مشيراً سموه إلى أنه دليل على الحس الوطني القوي والمتجذر عند أهالي هذه المنطقة والبلد.
وعن سبب تسميته لكتابه «سلطان التواريخ» علق سموه بأن السلطان هو الحجة والعلم، موضحاً بأن الحجة لمحاججة الناس بتواريخهم والرد عليهم بالدليل، والعلم عبر إصدار الكتاب بأجزائه المختلفة، مبيناً سموه أن السلسلة تناولت التاريخ القديم الغامض.
وذكر دوافع البحث بالموضوع البرتغالي الذي جاء بعد الانتهاء من أطروحة في الاحتلال والافتراءات البريطانية، إذ كان لا بد من معرفة الأمر الذي جاء بهم للمنطقة، وبالبحث كانت الوثائق البريطانية توضح الصراع بين البريطانيين والبرتغاليين، وعلّل سموه دوافع وجود البرتغاليين بالدرجة الأولى باحتلال القسطنطينية من قبل العثمانيين.
وتحدث سموه عن طريق الحرير، موضحاً سموه أن المناطق التي يمر بها طريق الحرير تواجه بعض الأحيان انقطاعاً بسبب الحروب أو قُطاع الطرق فتقف البضائع، مستذكراً سموه أحد الأحداث التي وقعت بشمال الهند وبالتحديد على حدود أفغانستان، ولم تستطع القافلة المرور.
فأخذوا يغيرون طريق البضائع ويستخدمون نهر السند للتنقل جنوباً ليصلوا بحر عُمان من «مصب نهر السند»، وكانت السفن تتحرك لغاية هرمز ثم لمنطقة ماغستان ومنطقة شاميل ومنطقة توزرج فإلى كرمان، لتكمل القافلة مشوارها بطريق الحرير.
وأشار سموه إلى أن بعض التجار كانوا يسلكون مصب نهر السند إبحاراً إلى صُحار وصولاً إلى مليحة ومن ثم إلى ميناء الدُّور في أم القيوين، ثم تنقل البضائع لبلاد فارس، أو يسلكون الطريق الآخر من خلال دبا، ذاكراً سموه أن ظهور طريق دبا أشعل الخلاف بين العمانيين وضباط الإسكندر الأكبر في مليحة، وذلك رغبة بعدم انقطاع مرور البضائع عنهم، وهذا ما يفسر وجود عدد كبير من رؤوس الأسهم في مليحة.
وأوضح صاحب السمو حاكم الشارقة أن أسباب وجود البرتغاليين بالمنطقة تعود إلى سقوط الأندلس وانتصار المسيحيين، في الوقت الذي يقابله هزيمة المسيحيين في القسطنطينية، مشيراً سموه إلى رغبتهم في خوض حرب في المنطقة.
حيث كانت الصين تمتلك أسطولاً حربياً تجارياً يصل لغاية سريلانكا «سيلان»، وتدخل في المنطقة للتبادل التجاري. وردّ صاحب السمو حاكم الشارقة على ادعاءات البرتغاليين في قصة «فاسكو ديغاما» وقيامه بـ6 رحلات حتى وصل لرأس الرجاء الصالح، ذاكراً سموه أنها سفن ذهبت لتستكشف، وبالصدفة استطاع المرور من جنوب أفريقيا.
وتحدث سموه عن مساعدة المسلمين للإيطالي «كريستوفر كولومبوس» الذي أراد اكتشاف العالم الجديد ليصل إلى الهند، وقصته في مدينة غرناطة الإسبانية عندما كانت محاصرة، وإصراره على الدخول للمدينة.
الأمانة العلمية
وتناول صاحب السمو حاكم الشارقة جانب الأمانة العلمية في نقل الأحداث كما جاءت في الوثائق والتاريخ دون زيادة أو نقصان، كاشفاً أنه يستعين بأساتذة من جامعات عديدة من مختلف العالم يساعدون سموه في القراءة والبحث عن المزيد من التفاصيل في التاريخ. وتحدث سموه عن إشرافه المباشر على إخراج الكتب والإصدارات الخاصة به، كاشفاً سموه أنه يقرأ الإصدار 5 مرات.
ويقوم سموه خلالها بإعادة الصياغة والتعديل والإضافة، والتركيز على عدد الفقرات والأسطر والكلمات، مع مراعاة أدوات القراءة وعلامات الترقيم وتسلسل الأفكار لترسيخها بعقل القارئ وسلاسة تلقيه المعلومات. وأضاف سموه أنه فور وصول الكتاب لمرحلته الأخيرة يلقي نظرة أخرى عليه قبل الطباعة، ويكون سموه أول من يقتني الإصدار ويقرأه كاملاً قراءة نقدية.
مشيراً سموه إلى أنه يشيد بعمله ونفسه أحياناً، وتارة أخرى ينتقد بعض ما جاء بالكتاب ويعيد صياغته، فيعيش سموه تجربة القارئ ليكون المخرَج مفيداً ويلبي رغبة القارئ، وهو أسلوب علمي من الدرجة الأولى.
