حالة من الانحسار للثقافة العربية يلاحظها البعض مقارنة بالتطورات على الساحة العالمية، وهي الحالة التي أثارت بدورها سجالاً بين عدد من النقاد والمثقفين حول أسباب تراجع تأثير الثقافة العربية، وإمكانية تعزيز دورها ومواكبتها العصر.
وأشار الكاتب والروائي عمر طاهر لـ«البيان»، إلى بعض أسباب تراجع الثقافة العربية في تحقيق مستويات متقدمة تعزز دورها في التنمية المجتمعية.
مؤكداً أن الأزمة الحقيقية تكمن في عدم اهتمام بعض المؤسسات في العالم العربي بالثقافة والمبدعين، وعدم وضع خطط تهدف لتعزيز دورها الفعال في التنمية.
ولفت إلى أن الفعاليات الثقافية مثل معارض الكتاب أو حفلات تكريم الأعمال الأدبية ليست كافية لمعالجة الأزمة التي تمر بها الثقافة العربية.
مشدداً على أن الكيانات الثقافية والمبدعين بحاجة ماسة لدعم مادي ومعنوي، لتقوم بدورها في نشر الثقافة بمفهومها العصري وسط هيمنة المادة.
وبرأي عمر طاهر فإن المسؤولية الأكبر تقع على المؤسسات الثقافية التي تفتقر إلى رؤية واضحة ودعم للمثقفين، لذا، يتطلب حل المشكلة العودة إلى الجذور بتقديم الحلول من أصحاب الخبرة.
وشدد على أهمية الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي لتعزيز دور المثقفين، مؤكداً أن هذه الأدوات يمكن أن تسهم بشكل فعّال في نشر الثقافة وتحقيق التنمية.
وأشار إلى أن المؤسسات التعليمية تتحمل مسؤولية كبيرة في نشر الثقافة، إذ لا ينبغي أن تكون المباني مجرد حاضنات لمئات الكتب دون أن يستفيد الطلاب منها، مؤكداً على ضرورة إحياء دور المكتبات العامة، التي تلعب دوراً حيوياً في تعزيز الثقافة العامة في مجتمعنا.
في المقابل، يحمّل الدكتور يوسف نوفل، أستاذ الأدب والنقد بالقاهرة، في حديثه لـ«البيان»، المثقفين مسؤولية غياب الحراك الثقافي في المجتمعات العربية، مشيراً إلى أن اهتماماتهم تحولت إلى أمور أخرى، بخلاف العصور السابقة.
ولفت إلى أن المثقفين هم مصدر الخلل بسبب عدم اهتمامهم بالثقافة، في ظل ما نعيشه من ثورة معلوماتية، حيث تعددت مصادر المعرفة ولم تعد مقتصرة على المطبوعات والوسائط التقليدية.
وأشار نوفل إلى أسباب أزمة التثقيف مثل ارتفاع أسعار الكتب وانتشار المحتوى الإلكتروني، إضافة إلى التحديات التي تواجه عملية النشر والطباعة، ما يؤدي إلى تكاليف باهظة لا تحقق العائد المطلوب،.
ومن ثم فإن المثقفين اليوم يعانون من نقص الاطلاع والبحث، وهو ما يختلف عن الأجيال السابقة التي كانت تتسم بشغفها بالمعرفة والقراءة.
لفت نوفل إلى أن اهتمام المثقفين بقضايا المجتمع الأساسية تراجع، وانحصرت اهتماماتهم في إطار النخبة، نتيجة انشغالهم بمظاهر الحياة المختلفة وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي.
وتابع: «يعيش المثقفون العرب اليوم حالة من الغربة النقدية غير المسبوقة، ما يتطلب منا استثمار جميع الوسائل التكنولوجية المتاحة لضمان نشر الثقافة في عصر الذكاء الاصطناعي والتقدم في الأدب الرقمي.
ويجب أن يحدث هذا دون المساس بهيبة مفهوم المثقف، أو جديته وموضوعيته، بل في إطار يعزز من قوته وفعاليته».
وأكد أن غياب النقد يؤثر سلباً على المثقفين ويفرغ الذاكرة الإبداعية التي تحتضن أفكارهم، لذا تعد عملية النقد – برأيه - واحدة من أهم الخطوات التي تساعد على بناء جيل من المثقفين لديه القدرة على تحقيق وخلق دور فعال في تنمية المجتمعات العربية، والمشاركة في حل الخلافات، ووضع اقتراحات لكافة القضايا التي نعيشها.


