في عالم تتسيد فيه المادة حتى في مجالات الفنون والإبداع هُجرت خشبة المسرح نوعاً ما، حسب ما يؤكد البعض، ومنهم أحمد سمير، مدير مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي، وتسيدت الدراما التلفزيونية والسينمائية، ليصبح «أبو الفنون» طيفاً بعيداً عن اهتمامات الفنانين، بينما يرفض فنانون اتهامهم بالابتعاد عن المسرح والاتجاه إلى السينما، لكسب عوائد مالية، ومنهم الفنانة وفاء عامر التي ألقت باللائمة على الإنتاج، وغياب النصوص ومتطلبات السوق وضغوط الحياة!
يوضح أحمد سمير، مدير مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي، سبب تراجع اهتمام الفنانين بالأعمال المسرحية، بأن كل فنان يمتلك مجموعة من الاعتبارات يضعها في الحسبان عند اتخاذ قرار المشاركة، وفي مقدمة هذه الاعتبارات يأتي العائد المادي.
ويضيف أن الدافع الرئيسي وراء هذا التحول هو العوائد المالية الكبيرة، التي تحققها الأعمال السينمائية، والتي تفوق ما يحققه عرض مسرحي واحد، يتم تحضيره، وعرضه على فترات طويلة.
ويؤكد سمير أن ابتعاد الفنانين عن خشبة المسرح لا يعني بحال من الأحوال ضعف المسرح ذاته، بل المشكلة تتقاسمها أطراف عديدة، منها الكتاب القادرون على إبداع نصوص مسرحية متميزة، مكتوبة بشكل صحيح وإبداعي يجعل من الصعب على الفنانين رفض المشاركة فيها.
ويتابع سمير: إن العمل المسرحي يتطلب مجهوداً كبيراً من الفنان، بدءاً من البروفات الطويلة، وصولاً إلى التحضير الدقيق لكل تفاصيل الدور، بينما يمكن للفنان في السينما تقديم أعمال ذات جودة متفاوتة دون هذا العبء.
ويشير إلى أن الجودة الأدبية للعمل هي ما يجذب الفنانين، وليس مجرد وجودهم في المسرح، لذا فإن تعزيز الكتابة المسرحية هو عنصر أساسي لاستقطاب النجوم، وإعادة الحيوية إلى العروض المسرحية.
وعن التحديات التي تواجه المسرح يشير سمير إلى أن الفنانين لا يمكنهم تقديم أكثر من ثلاث مسرحيات في السنة، ما يؤدي إلى عائد مادي محدود، مقارنة بالأفلام أو المسلسلات، التي تحقق أرباحاً ضخمة، ومع انتشار المنصات الرقمية أصبح العديد من النجوم يفضلون هذه الوسائط، التي تضمن لهم دخلاً أكبر واهتماماً جماهيرياً أوسع.
ويتابع: إن عبارة «المسرح أبو الفنون» لا يمكن تعميمها على كل الفنون، حيث تختلف دوافع الفنانين وأهدافهم، كما أن الفنانين غالباً ما يقيّمون العوائد المالية بجانب قيمة العمل الفني نفسه، ما يؤثر على خياراتهم بين المسرح والسينما أو غيرها من المجالات.
وينوه بأن غياب المشاركة المجتمعية والدعم الإعلامي في الترويج للمسرح ساعد على ابتعاد العديد من الفنانين عن الأعمال المسرحية، التي قد لا تلاقي نفس الزخم والاهتمام الإعلامي لفيلم أو مسلسل درامي.
وفيما يتعلق بمستقبل المسرح يؤكد سمير أن المسرح لا يعاني من أزمة بمفهومها العام، لكن العودة لمكانته المرجوة تتطلب جهوداً جماعية، من فنانين يتجاوزون نمط العمل الروتيني إلى نصوص قوية تجذب المبدعين نحو خشبة المسرح، وبالطبع إنتاج قوي ومدرك لآليات السوق.


