«وصية مريم»..مآس وأحزان «تلون» الخشبة

شهدت فعاليات مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما تقديم مسرحية «وصية مريم» من تأليف جمال آدم، وإخراج الدكتور عجاج سليم، وبأداء للممثل القدير محمد حداقي، لتقف كصرخة عالية في وجه النسيان، وتؤكد من جديد أن المسرح لا يزال أصدق وسائط التعبير عن الألم الإنساني في زمن تتنازعه الحروب والمآسي.

دلالة

ضمن 40 دقيقة من الأداء المتماسك، ينقلنا العرض إلى قلب تجربة إنسانية عميقة الحزن، من خلال شخصية الأستاذ الذي تُطارده ذاكرة الطفلة «مريم»؛ تلميذته التي دهستها سيارة عسكرية مسرعة، دون ذنب سوى أنها كانت تمرّ من هناك...

ويمكننا أن نذهب هنا للكثير من الدلالة، بكون السيارة عسكرية، وفي أن الطفلة اسمها مريم، وأنها حاضرة كما الكثير من الأطفال الذين رحلوا في الحرب وبقيت أحذيتهم معلقة يتحدث إليها الأستاذ كرمز لصانع مستقبل وجد نفسه فجأة مكلوماً.

نص العرض يستنطق الألم، لا ليحصره في الخاص، بل ليجعل من مريم، مرآة تطارد كل الناس الذين فقدوا أبناءهم أو جزءاً من إنسانيتهم وما أكثرهم.

بطل العمل، «الأستاذ»، لا يكتفي بسرد الذكريات، بل يتحول إلى أرشيف وجع، يعيد بناء المشهد أمام الجمهور، بحيوية فنية ومشاعر متدفقة بجُمل لا تنسى: «البيجاما ما عادت بيضا.... وما فهمت وينها مريم» ليتحول النص إلى محاكمة أخلاقية، يوجهها نحو الجميع: الجمهور، المجتمع، وربما نفسه، بأن مريم «بأي ذنب قتلت».

توصيف

في وصية مريم، ضحك بطعم الدم، رغم ما يحمله العمل من مآسٍ، فإنه لا يغرق في الميلودراما، بل يوظف الكوميديا السوداء ببراعة؛ فالأستاذ، في لحظات، يبدو ساخراً من عبثية الموت، ومن مواقف المأساة التي عاشها. يجرّ العمل الجمهور إلى الضحك، لكنه ضحك يلدغ ويخز الضمير.

وتتجسد في أداء الممثل محمد حداقي، ملامح الصراع الداخلي لشخصية الأستاذ، بحركات محسوبة، ونبرات صوت تراوح بين الهمس والصراخ، يرسم حداقي سيرة الألم دون أن يسقط في الاستعطاف، بل يمنح الشخصية كياناً حقيقياً ومرآة تعكس عمق التجربة.

يحمل العرض وجعاً قدّم بجمال فن، ليثبت أن المونودراما، رغم بساطة شكلها ومحدودية أدواتها مقابل الأنواع المسرحية الأخرى، إلا أنها يمكن أن تكون أداة فنية هائلة للتعبير عن أعقد القضايا.