القاهرة - داليا فاروق
يلتقي عشاق الأنتيكات والتحف والقطع التذكارية، يوم السبت من كل أسبوع، في سوق «ديانا»، في وسط العاصمة المصرية القاهرة، تحديداً بالقرب من سينما «ديانا بالاس»، وهو أشبه ما يكون بمتحف مفتوح يضم مقتنيات من كل أرجاء العالم كانت في يوم من الأيام تزين المنازل الفخمة، وأضحت اليوم تباع في الطرقات.
تتنوع هذه المقتنيات بين ساعات قديمة وأطباق طعام ونياشين وتحف مختلفة الأشكال، وصحف وعملات معدنية قديمة، وزجاجات مياه غازية من الحقبة الملكية تحمل شعار علم مصر القديم وشركة «كايرو أب».
يجد الزائر نفسه أمام رحلة استثنائية في تاريخ لم يعشه لكنه يتلمسه عبر هذه التذكارات. هنا، لا يقتصر الأمر على البيع والشراء، بل يتجسد شغف الناس باقتناء الذكريات، من ملصقات السينما القديمة إلى كروت شحن الهواتف التي تعيد جيل الثمانينيات والتسعينيات إلى لحظات عمرهم الأولى.
يعود تاريخ السوق إلى خمسينيات القرن الماضي، حين بدأ كتجمّع صغير لبضعة تجار في بيع الأدوات المنزلية القديمة. ومع تزايد اهتمام الهواة والجامعين بقطع الماضي، تحوّل تدريجياً إلى مقصد رئيس لعشّاق الأنتيكات. وقد ارتبط اسمه بـ«سينما ديانا بالاس» الشهيرة في منطقة وسط البلد، ليصبح منذ ذلك الحين علامة فارقة في المشهد الثقافي والتجاري بالقاهرة.
بين واجهات تزدان بتلفزيونات قديمة وساعات أوروبية الطراز، يقف التاجر مصطفى أحمد، الذي ورث المهنة عن أبيه وأجداده، حيث يقول لـ«البيان»: «هذه ليست تجارة فقط، بل امتداد لسلسلة حكايات عائلية ورثناها جيلاً بعد جيل، بعضها يعود عمره إلى أكثر من مئتي عام».
إقبال من السياح العرب
خالد، أحد أقدم تجار السوق، يستعيد ذكرياته قائلاً لـ«البيان»: «بدأت في السبعينيات ببيع الأدوات المنزلية، ثم انتقلت للتحف. أمتلك ساعات نادرة يصل ثمن الواحدة منها إلى مئة ألف جنيه، تبدو عادية لكنها مختومة بالذهب، وهو ما يجعلها لا تقدر بثمن».
ويضيف: إن السياح العرب يقبلون على أطقم «روميو وجولييت» الصيني، والجرامافونات، والميداليات القديمة.
ومن بين المعروضات اللافتة فانوس عثماني يزيد عمره على قرن كامل، وصفارة تعود للحرب العالمية الأولى، ودولاب عروس قديم لحفظ جهاز الزفاف.
ويؤكد التاجر حسن الديناري، أن السوق يضم تحفاً نادرة لا يدرك بعض البائعين قيمتها الحقيقية، لافتاً إلى إقبال السياح العرب على اقتناء العملات المعدنية القديمة والفضيات.
رواج كبير
محمد الخواجة، الذي التحق بالسوق مؤخراً، يقول: إن ما يميز «سوق ديانا» أنه متحف مفتوح أكثر منه سوقاً، حيث تُعرض قطع تعكس الحياة الاجتماعية والفنية والسياسية خلال القرن الماضي وربما أبعد،: فهنا فانوس عثماني يضيء بعبق الماضي، وهذه آلة كاتبة سطّرت رسائل الحب والحرب. كل قطعة هنا شاهدة على حكاية لا تُنسى.
ويشير إلى تباين أذواق المشترين: «السياح العرب يفضلون الصقور المحنطة، بينما المصريون يقتنون الثعالب».
أما كريم سعد، فيعرض تليفونات عتيقة أبرزها هاتف «العمدة» (1915)، و«التمساح» (1920)، إضافة إلى سنترال إنجليزي ملكي ونظارات حربية وآلات كاتبة من أربعينيات القرن الماضي. ويوضح أن هذه المقتنيات تحظى برواج كبير بين السياح العرب والأجانب أيضاً.
آلة الزمن
يتجول الزوار بين المحال الضيقة بخطوات بطيئة تحمل مزيجاً من الدهشة والحنين. تقول أمينة علي، وهي سيدة إماراتية جاءت خصيصاً لزيارة السوق: «شعرت أنني عدت بآلة زمن إلى الماضي. هذا ليس مجرد سوق بل تجربة ثقافية فريدة».
أما السائح السعودي يوسف عبدالله فأكد لـ«البيان»: «وجدت قطعاً كنت أراها فقط في أفلام الأبيض والأسود، من التليفونات إلى الجرامافونات. شعرت أنني أقتني قطعة من التاريخ لأضعها في بيتي».

