بدت هالة لـعُشبة الصغيرة صارمة في كل أمور حياتها، ابتداءً من دفتر الديون، إلى عدم تفاوضها حول أسعارها، اكتشف الأطفال هذا حين غاب حوار التفاوض والمكاسرة، وكانت تؤكد عشبة أنها ستصبح ذات يومٍ «ليلام» مثل هالة، وستجني ثروة كبيرة، ولن تشاركها مع أحد.
تعلمت عشبة مصطلح ليلام من حمد ابن الجيران، الذي تعلمه من أبيه حين حدثه عن الليلام، فكلما يظهر طيف هالة، يردد حمد «ليلام.. ليلام.. ليلام» وهكذا كرَّر أطفال الحي.
توجس الأطفال من هالة، فقد أوحت لهم صرامتها وتجارتها شبه الصامتة وهيئتها وغياب ابتسامتها، بأنها مشروع خاطفة، وأن مشروعها لم يكن سوى غطاء يخفي مخططاتها لدراسة الضحايا ومنازلهم، وحدها عشبة بددت مزاعمهم، فهالة ليست سوى امرأة تبحث عن رزقها؛ ولو كانت خاطفة لما وثق بها أهل الحي وأدخلوها بيوتهم، ولما انتظرت وقتاً طويلاً لتنفّذ جريمتها.
أما عشبة فلمّا ينقطع انبهارها بهالة، وبثروتها التي تجنيها من تلك الصرة الثقيلة على ظهرها، فعزمت ذات يومٍ على اقتحام بيت هالة، والتوصل إلى خيوط إضافية تعينها على فهم سر هذه المرأة.
مشت عشبة بشجاعة دفعها الهدوء المطبق، وعانت من غياب الأرض، فبالكاد وجدت مطرحاً لقدميها. اقتربت من الباب الداخلي، وغلب يأسها أملها بوجود شيء، داهمها خاطر بسوء صنيعتها، فهمَّت بالمغادرة حتى تسرب إليها صوت ما، توقعت أن يصدر أي شيء من هذا البيت، إلا ضحكة! علا صوت الضحكة، فعطَّر الجو، وطار في الآفاق، وملأها. واتقدت عشبة، ووجدت نفسها في حضرة مشهد غرائبي.
هالة في خضم مكالمة هاتفية، تداعب سلك السماعة الطويل، وتتحدث بصوت أنثوي، لا يتوافق أبداً مع هيئتها.
فهمت أن هالة تحادث محبوباً بعيداً وغائباً عنها، لم تحتج الصغيرة إلى التمهل في خطاها، فلا أعتى انفجار يمكنه إيقاظ تلك المرأة من استغراقها.
كبرت عشبة، وكبر معها سؤالها المؤجل عن هالة وتلك الضحكة، ترددت في طرحه، خشية أن يتبدد ذاك المشهد القديم.
كأن من شأن أي تفصيل جديد، تشويه تلك الذكرى. تحيرت طويلاً، لكنها في نهاية الأمر سألت أمها: شحالها هالة؟

