جمال بن حويرب: «العربية» أول لغة عالمية للمعرفة.. وحفظت العلوم لثمانية قرون

شهد مركز جمال بن حويرب للدراسات، مؤخراً، تنظيم محاضرة علمية بعنوان «ما لا نعرفه عن تاريخ اللغة العربية»، قدمها الباحث والمؤرخ جمال بن حويرب، بحضور عدد من المسؤولين والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين والمتخصصين في اللغة العربية والتاريخ، إذ تناولت المحاضرة جوانب غير معروفة من تاريخ العربية، خاصة تأثيرها على أنظمة الكتابة العالمية، ودورها في تطوير الرياضيات، وعلاقتها باللغات السامية، إضافة إلى مكانتها كونها أول لغة عالمية للمعرفة.

وأكد بن حويرب في المحاضرة أن العربية لم تكن مجرد لغة محلية أو إقليمية، بل كانت أول لغة عالمية للمعرفة، تجاوز تأثيرها أية لغة أخرى سبقتها، ففي حين بقيت الإغريقية لغة للمعرفة محصورة في مناطقها، واللاتينية لغة للمعرفة في أوروبا فقط، انتشرت العربية عبر العالم، واحتضنت العلوم والمعرفة لمدة ثمانية قرون متواصلة، حيث كانت لغة الفلسفة، الطب، الفلك، الرياضيات، والهندسة.

وأوضح أن العالم يدين للغة العربية بفضل عظيم، فقد كانت حافظة للعلوم والمعرفة حين ضاعت معظم العلوم المكتوبة باللغات القديمة، وبقيت العلوم التي ترجمت إلى العربية خلال العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، مما أسهم في نقلها إلى الحضارة الغربية لاحقاً. وأكد بن حويرب أن اللغة الإنجليزية، رغم انتشارها، تحتاج إلى سبعة قرون أخرى لتنافس المكانة، التي احتلتها العربية في تاريخ المعرفة الإنسانية.

عدد الناطقين بالعربية.. أكبر مما يُعلن

وفي مطلع المحاضرة أشار بن حويرب إلى عدم دقة الإحصاءات حول عدد الناطقين بالعربية، حيث يُقال إنهم يقاربون الـ 300 مليون شخص، لكنه أكد أن هذا الرقم غير صحيح، موضحاً أن العرب أنفسهم يبلغ تعدادهم نحو 500 مليون، إضافة إلى أكثر من ملياري مسلم تعتبر العربية لغتهم المقدسة، التي يستخدمونها في العبادات والدعاء.

كما لفت إلى أن هناك أعداداً هائلة من غير العرب يتعلمون العربية، ويهتمون بها حول العالم، مما يجعلها من أكثر اللغات انتشاراً وتأثيراً، وبناء على هذه الحسبة بيّن بن حويرب أن العربية يمكن اعتبارها اللغة الأولى عالمياً، وليس من الإنصاف تقليل عدد الناطقين بها.

الفينيقيون عرب.. وأبجديتهم أصل الكتابة

واستعرض بن حويرب أصول الأبجدية الفينيقية، مؤكداً أن الفينيقيين عرب كنعانيون هاجروا من الجزيرة العربية، وأن لغتهم لم تكن إلا لهجة عربية قديمة، وأوضح أن الفينيقيين نقلوا أبجديتهم إلى العالم عبر تجارتهم، حيث تبناها الإغريق، وأضافوا إليها حروف العلة، ثم أخذها الرومان، مما أدى إلى ظهور الأبجدية اللاتينية، التي تُستخدم اليوم في معظم اللغات الأوروبية.

الصفر العربي.. كيف غيّر وجه الرياضيات؟

انتقل بن حويرب إلى الحديث عن دور العرب في اختراع الصفر، وهي مفردة عربية قديمة قدم اللغة العربية، حيث يقولون: «جاء صفر اليدين إذا لا يملك شيئاً»، مبيناً أن العلماء المسلمين لم يقتبسوا الصفر من الهند كما يشيعه بعض الغربيين، بل هم من اخترعوه وأعطوه دوره الرياضي الحاسم، فقد كان الهنود يستخدمون الصفر كرمز فراغي، لكن العلماء العرب أكسبوه دوره الفاعل في الميدان، فالخوارزمي هو من جعله عدداً حقيقياً داخل النظام العشري، مما مكن من تطوير الحسابات الرياضية والجبر.

وأضاف، أن الصفر العربي لم ينتشر في العالم إلا من العرب ولا يوجد دليل واحد أن الصفر جاء من غيرهم، فقد وصل إلى أوروبا عبر الأندلس في القرن العاشر الميلادي، حيث اعتمده علماء الرياضيات الغربيون، ليصبح عنصراً أساسياً في الحسابات الحديثة، وذكر أن الرياضي الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي، الذي درس في مدينة بجاية الجزائرية، كان من أوائل الأوروبيين، الذين نشروا الأرقام العربية في كتابه «ليبر أباشي» عام 1202م.

وقال بن حويرب، إنه سأل الذكاء الاصطناعي: «هل ستكون حضارة حديثة بدون الصفر الذي أخذ يلفظه وأصبح زيرو باللغات الغربية»، فأجاب: «لن تكون حضارة ولا تطير الطائرات ولن يخترع الحاسبات الآلية».

الأرقام العربية عربية المنشأ والانتشار

فند بن حويرب الاعتقاد السائد بأن الأرقام العربية هندية الأصل بالكامل، موضحاً أن العرب هم من طوروا أشكالها ونقلوها للعالم. وأشار إلى أن الأرقام المستخدمة في الغرب اليوم (1, 2, 3...) نشأت في المغرب والأندلس، بينما احتفظ المشرق العربي بالأرقام التي يسميها البعض «هندية» (0123456789).

وأكد أن هذه الأرقام أصبحت عالمية بفضل العلماء العرب الذين نشروها من الأندلس إلى أوروبا، حيث اعتمدها الغرب لسهولة استخدامها مقارنة بالأرقام الرومانية المعقدة.

هل اللغة العربية هي اللغة السامية الأم؟

ناقش بن حويرب أيضاً أصل اللغة العربية ضمن عائلة اللغات السامية، مشيراً إلى أن العربية حافظت على العديد من الخصائص اللغوية للغة السامية الأم، وأوضح أن العربية احتفظت بكل الأصوات السامية الأصلية تقريباً، بينما فقدتها العبرية والآرامية. وأضاف، إن اللغة العربية بنيتها النحوية والصرفية تجعلها الأقرب إلى الأصل السامي، مما يجعلها مرجعاً أساسياً للباحثين في اللغات القديمة، وذكر أن بعض الدراسات الحديثة تشير إلى أن العربية قد تكون هي اللغة السامية الأم نفسها، أو على الأقل الأكثر تمثيلاً لها لأن باقي اللغات السامية كالبحيرة الصغيرة أمام المحيط اللغوي للغة العربية.

إرث عالمي لا يقتصر على العرب

واختتم بن حويرب المحاضرة بالتأكيد على أن اللغة العربية لم تكن مجرد وسيلة تواصل، بل كانت أداة حضارية أسهمت في تقدم البشرية. وأكد أن الحفاظ على اللغة العربية لا يعني فقط الاعتزاز بالهوية، بل إدراك دورها العميق في تشكيل الحضارة الإنسانية. وفي ختام المحاضرة فتح باب النقاش والحوار، حيث تداخل كُثُر وأجاب جمال بن حويرب عن مجموعة من الأسئلة، موضحاً قيمة ومكانة اللغة العربية.