«صناعة الفخار».. حرفة إماراتية عريقة عميقة الارتباط بالبيئة المحلية

صناعة الفخار من المهن التقليدية المرتبة بروح الفنون، إذ تعتمد على المهارة العالية، بداية من مرحلة تحضير المادة الخام، وحتى تشكيلها، وكانت تعكس نمط الحياة الاجتماعية والاقتصادية قديماً، فلم تكن المنازل تخلو من الأواني الفخارية، كونها جزءاً من متطلبات الحياة، أما الحرفيون فكانوا يعتمدون على الموارد المحلية البسيطة، لاستغلالها بشكل فعال في حياتهم اليومية، وإبداع منتجات مختلفة من الفخار لإضافة نوع من الثراء والتنوع.

ويعد الفخار من أقدم الاختراعات البشرية، التي توصل إليها إنسان العصور القديمة، وهي تشكل رابطاً بين الإنسان الإماراتي المعاصر، وتلك الحقب الطويلة الماضية، كما تكشف عن تطور الإنسان وتقدمه، فحسب المكتشفات والأدلة الأثرية يعود تاريخ حرفة الفخار في الإمارات إلى فترة حضارة «أم النار»، أي الألف الثالث قبل الميلاد، إذ وجدت قطعة في المقابر، التي اكتشفت في أبوظبي والعين، ثم ظهرت في مواقع تاريخية برأس الخيمة والشارقة، وبقية إمارات الدولة.

تنوع وثراء

وصفت صناعة الفخار بالثراء والتنوع، وعكست في الوقت نفسه لمسة جمالية وقيمة فنية، على الرغم من بساطتها. وهناك العديد من المدن والقرى والمناطق في الإمارات، حالياً، تزدهر فيها هذه الحرفة العريقة، بشكل لافت، ومن بينها شمل في رأس الخيمة، إذ تصنع مختلف الأدوات التي استعملها الإماراتيون في الماضي، وما زالوا يستخدمونها إلى اليوم، ومن أهم هذه الأصناف (الخرس) الذي يستخدم في تخزين التمور والقمح والشعير، و(اليحلة) أو (الحجلة)، المستخدمة في نقل الماء من الينابيع وسواها، و(الكوز) لحفظ العسل والسمن، و(المزبد) لتحضير القهوة على النار، و(المصب) لصب الماء من خلاله عبر فتحاتها الضيقة، و(معجن) لصنع العجين، و(الوعية) لوضع الخبز، وسكب بعض أنواع الطعام فيها، و(القدر) الخاص بطهي الطعام، بالإضافة إلى دلة القهوة.

شمل.. الأولى

تعرف منطقة شمل بإمارة رأس الخيمة بصناعة الفخاريات منذ القدم، إذ تتصدر في هذه الصناعة بالدولة، وهو ما يلاحظه الزائر عند زيارته المنطقة، والتي لاتزال شاهدة على عراقة وأصالة هذه الصناعة، حيث توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، وظلوا يتناقلونها جيلاً بعد جيل، وهكذا غدت شمل مركزاً مهماً لهذه الحرفة التقليدية العريقة، ويشاهد الزائر لها أنواع الفخاريات، تتوزع على جانبي الطريق الرئيسي في مظهر مبهج، يربط بين الماضي والحاضر، ولعل أحد أبرز استمرار هذه الحرفة هو توافر الطين الخاص بها، ما يجعل إنتاجها بكميات جيدة جداً، إذ تصدر نتاجاتها إلى الدول المجاورة.

نقوش

على الرغم من التطور الذي طرأ على صناعة الفخاريات في وقتنا المعاصر فإن الكثير من أهل الإمارات لا يزالون يحافظون على هويتها التقليدية، من خلال تزيينها يدوياً بالنقوش والزخارف والأشكال القديمة المتنوعة، وهم يبذلون جهوداً كبيرة ودقيقة، يلتزمون خلالها بأشد درجات الحرص والدقة والعناية، ويحرصون على استخدام أدوات بسيطة في الخصوص عريقة مصنوعة مما يتوافر في البيئة المحلية.

مراحل

تمر صناعة الفخار بمراحل طويلة، حيث تبدأ من مرحلة جلب مادتها الأولية، وهي الطين، وتستغرق رحلة البحث عن الطين المناسب عدة أيام، للحصول على نوع جيد، وتأتي بعدها مرحلة تشكيل عجينة الطين فوصولاً إلى مرحلة حرقه. ومن بين أنواع الفخاريات التي تنتج عبر تلك المراحل: «الجلة»، و«الحبَ» (يستخدمان لتبريد المياه)، «الخرس» (لتخزين التمور)، إضافة إلى الصحون والقدور والمداخن، والبرم، و«التنانير»، الأفران الفخارية المخصصة لطهي الطعام، التي توضع داخل التراب، المدخن (يستخدم لحرق العود والبخور)،

المصب (يستخدم لصناعة القهوة العربية).

صناعة الطين

تعد حرفة صناعة الفخار مثالاً حياً لتكيف الإنسان في الإمارات مع البيئة المحلية وقدرته على الإبداع لتلبية متطلبات معيشته، وهي من أقدم الصناعات الإماراتية، ويتميز صانع الفخار والجرار بخبرته المهمة، إذ يعرف أماكن توافر الطين المناسب، والذي تكون مادته الأولى عادة على شكل قطع صلبة في بطون المنحدرات، وعلى القمم الجبلية، حيث يحملها وينقي الحصى منها، ويستخدمها في تلك الصناعة.

تلوين

تمر عملية صناعة القطعة الفخارية بمرحلتين أو ثلاث، حسب درجة اللون المرادة، وتكون البداية مع عملية تنعيم سطح الفخار باستخدام المعجون، ثم سنفرته، وتليها عملية الصياغة أو الطلاء، ثم يتم تعريض الفخار للهواء حتى يجف، وبعد هذه المرحلة يتم تلميع بعض منتجات الفخار بـ«الورنيش»، حتى يصبح أكثر بريقاً.

استدامة

رغم أن الصناعة الفخارية فقدت بريقها وأهميتها في الحياة اليومية فإن عملية إحيائها والاهتمام بها وتشويقها تحظى بكبير الاهتمام من المؤسسات الرسمية بالإمارات، وبذا فإنها تلقى رواجاً بين المستهلكين الباحثين عن القطع التراثية التقليدية المميزة، والمختلفة في الشكل، خاصة في ظل اهتمام المؤسسات التراثية والجمعيات الشعبية، وإقبال محبي التراث على شرائها واقتنائها في منازلهم ومتاحفهم الخاصة في المنزل، ذلك لأن هذه الحرف تعكس تراثاً ثقافياً وفنياً، تحرص دولة الإمارات على صونه واستدامته، إذ تبذل الدولة كبير الجهود، وتحفز الجمعيات المعنية، غاية منع أخطار اندثار هذه الحرفة العريقة.