مريم راشد الزعابي
تُعد شجرة الغاف رمزاً من رموز التراث الطبيعي والثقافي في دولة الإمارات، حيث تحمل مكانة خاصة في قلوب أهلها، هذه الشجرة المُعمّرة التي تنتمي إلى البيئة الصحراوية تتميز بقدرتها الفريدة على الصمود في أصعب الظروف المناخية، ما جعلها جزءاً لا يتجزأ من تاريخ وحياة الإماراتيين.
كما يمكن أن تظل هذه الشجرة خضراء حتى في البيئات الصحراوية القاسية؛ وهي من الأشجار الضرورية للأنواع الحيوانية والنباتية على حد سواء، وتمتلك قدرة عجيبة على التأقلم المثالي مع البيئة الصحراوية القاحلة للدولة.
وفي الماضي لعبت شجرة الغاف دوراً حيوياً في حياة السكان المحليين، فقد كانت توفر لهم الظل في بيئة قاسية، حيث أنها تُعدّ بمثابة مكان للراحة والاجتماعات تحت ظلالها الوارفة، وكان شيوخ القبائل يتشاورون ويتخذون قراراتهم المصيرية تحت ظلالها ما أكسبها مكانة رمزية في الحياة الاجتماعية؛ بالإضافة إلى ذلك كانت تُعتبر مصدراً للغذاء والرعي للحيوانات، حيث كانت أوراقها وبذورها تغذي الإبل والماعز في أوقات الشح.
وأما بالنسبة لجذوع شجرة الغاف فقد كان يتم تقطيعها إلى أخشاب تستخدم في بناء المنازل البسيطة وصناعة الأدوات كذلك، وهذا ما جعلها شجرة متعددة الاستخدامات وكنزاً طبيعياً لا يُقدّر بثمن.
وتتميز شجرة الغاف بقدرتها على البقاء في البيئة الصحراوية دون الحاجة إلى كميات كبيرة من المياه، حيث تمتد جذورها إلى أعماق الأرض للوصول إلى مصادر المياه الجوفية، كما أنها تعمل كمصدٍّ طبيعي للرياح، ما يساعد في تقليل التصحر وزحف الرمال، و تُعدّ أيضاً موطناً للعديد من الكائنات الحية مثل الطيور والحشرات، ما يساهم في تعزيز التنوع البيولوجي في البيئة الصحراوية.
وتمثل شجرة الغاف رمزاً للصمود والتكيف مع التحديات، وهي قيم تعكس روح الإماراتيين في بناء وطنهم لذلك؛ أولاها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، أهمية كبيرة، وعمل على حمايتها وتعزيز وجودها في الدولة.
واليوم، تُعتبر شجرة الغاف رمزاً وطنياً لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقد تم اختيارها شعاراً لعام التسامح في عام 2019، ما يؤكد على قيمتها في تعزيز معاني الوحدة والسلام.
ومع التقدم الحضري والزيادة السكانية واجهت شجرة الغاف خطر التراجع بسبب تدمير موائلها الطبيعية. ولكن بفضل الجهود البيئية التي تبذلها حكومة دولة الإمارات، تم إطلاق مبادرات لحماية أشجار الغاف وتشجيع زراعتها في المناطق المختلفة، وتُعد هذه الجهود جزءاً من استراتيجية الدولة لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على التراث الطبيعي للأجيال القادمة، كما أنها تعتبر اليوم جزءاً من هوية الإماراتيين وتاريخهم العريق، فهي تجسد قيم الصمود والعطاء، وترمز أيضاً للترابط بين الإنسان وبيئته.
واليوم يُعد الحفاظ على شجرة الغاف واجباً وطنياً وضرورة بيئية لضمان استمراريتها كرمز خالد للأصالة الإماراتية.
