«الرزفة».. تراث إماراتي عريق يجسد الفخر والشهامة

  رنا يوسف

الرزفة هي فن متجذر بعمق في تراث دولة الإمارات العربية المتحدة، يحكي تفاصيل حضارة يتقن شعبها الكثير من الفنون، وأولها فن الوقوف بشموخ والابتسام، كما أنها تعبير لافت عن صفات الشهامة المتمثلة بملامح الفرح والفخر المرسومة على أوجه المشاركين فيها، يجمع هذا الفن بين الأداء الحركي والشعر، ويؤدى في المناسبات الاجتماعية والوطنية، مثل الأعراس والمهرجانات والاحتفالات الرسمية.

تولي الإمارات اهتماماً كبيراً بالفنون التراثية، كونها جزءاً من الهوية الوطنية، حيث تعمل المؤسسات التراثية، بتوجيهات من القيادة الرشيدة، على استقطاب الفرق الشعبية المتخصصة في هذا الفن، وتقديم الدعم لها، وتشهد هذه الفرق تزايداً ملحوظاً في أعدادها، وأعداد المنتسبين إليها، ما يعكس الاهتمام المتزايد بالحفاظ على هذا الإرث الثقافي ونشره، وحرص المجتمع الإماراتي على الحفاظ على الموروثات الشعبية المتعلقة بالتراث.

أنغام الأصالة

يقول سعيد المزيود قائد فرقة المزيود الحربية: «الرزيف هو الفن الشعبي الرسمي للدولة، والأكثر ظهوراً في المناسبات القومية والرسمية والاجتماعية، يتكون من مجموعة من الرجال يرتدون الزي الشعبي، يشكلون صفين متقابلين، في حدود عشرة رجال، وقد يصل العدد إلى عشرين، بينهم مسافة من 10 إلى 20 متراً، يقوم الشاعر، وهو العمود الفقري للرزفة، بتلقينهم أبيات الشعر، ليرددوها خلفه في حالة من التناغم والبهجة، وفيها يهز المشاركون رؤوسهم على إيقاع الغناء، وقد تتكون الرزفة من شاعر أو أكثر، وكلما زاد عدد الشعراء، زادت حيوية الإبداع».

حوار شعري

ويضيف المزيود: «يعتمد موضوع الرزيف على ما يقوله الشاعر بداية من جملة شعرية ملحنة، تعبّر عن الحماس أو الفخر أو الشجن، وتتنوع المواضيع، فقد تكون حواراً شعرياً بين الشعراء يتناول التاريخ، أو وصف الحروب وأبطالها، أو الاعتزاز بالوطن، تردد على نغم ألحان شعبية مستوحاة من البيئة البدوية، بينما يتحرك عدد من الرجال في الساحة حول حلقة الرزفة أو داخلها، يستعرضون أسلحتهم التقليدية بخفة، إذ تتطلب الرزفة لياقة بدنية ورشاقة لتأديتها».

فئات متنوعة

ويوضح قائلاً: «تستهوي الرزفة الكبار والصغار، على حد سواء، وتمارس من قبل فئات متنوعة في المجتمع، وربما يعد ذلك أحد العوامل التي أسهمت في استمراريتها وأهميتها، حيث تقوم على مبدأ المشاركة الجماعية، التي تجمع بين مختلف فئات المجتمع، ما يعزز مفهوم الأداء الشعبي المشترك في أجواء من الفخر والانتماء».

الرزفة عبر الأجيال

يقول ناصر سعيد الطنيجي المشرف على فرقة الذيد الحربية: «الرزفة نوع من الأهازيج الشعبية الخاصة بأهل البادية، في الماضي لم تستخدم الموسيقى أو الأدوات الإيقاعية، لهذا يتمتع المشاركون بها بأصوات عذبة، تشبه الألحان الموسيقية المتناغمة، ومع تطور الحياة، تطورت الرزفة، وأصبحت ترافقها الدفوف والطبول، وأحياناً الموسيقى الحديثة، ويؤدى هذا الفن بتعبيرات جسدية رائعة ومتناغمة مع الألحان، تظهر مهارة في التعامل مع الأسلحة التقليدية، كالعصا والبندقية والسيف والخنجر، ويسمى الشخص الذي يتحرك بين الصفين باليويل».

مساحة إبداعية للشعراء

ويتابع: «تتميز الرزفة بأنها مساحة إبداعية للشعراء، حيث يتم التفاعل بينهم بأسلوب ارتجالي، يحمل طابعاً ترحيبياً أو جواباً مميزاً، أي أن الشاعر يستدعي الآخر بالترحيب به، الذي يرتجل بدوره ويجاوب بطريقة مبدعة، وعن أنواع الرزفة، توجد الحربية، التي يكون موضوعها فخراً وحماساً وشجاعة، ولها طابع خاص، تكون بصوت واحد ولحن مختلف، ومن الفنون المتعارف عليها عند أهل البادية في الرزفة أيضاً، فن «الهزفة»، وفيها يتمايل «الرزيفة» على إيقاع معين، بحركة تشبه الأمواج، هذا النوع من الفنون رغم جماليته، إلا أنه لم يعد مستخدماً في أيامنا هذه، كما أن الرزفة تأخذ اسمها من الحركة التي يؤديها المشاركون في أدائها، فيقال فلان يرزف، أي يشارك في الرزفة».

وعن الحفاظ على هذا الموروث العريق، يقول الطنيجي: «تنتقل الرزفة عبر الأجيال بشكل مباشر، من خلال المشاركة والتعلم، إذ يحرص الآباء على تشجيع أبنائهم على أدائها في مختلف المناسبات، من خلال تكليفهم بأدوار تناسب أعمارهم ضمن فعاليات الرزفة، ما يتيح لهم فرصة تعلم هذا الفن بشكل تدريجي، كما تقوم جمعيات التراث في الإمارات، بدور فاعل في تدريب الأطفال والمبتدئين على هذا الفن الشعبي الأصيل، حيث يكتسب الأطفال المهارات والخبرات، من خلال التحفيز المستمر، ومتابعة العروض التي تقدمها الفرق أثناء المناسبات الاجتماعية، كالأعراس والأعياد».

اعتراف دولي

يقول جمعة المزروعي قائد فرقة المثايل الحربية: «الرزفة من أبرز فنون الأداء التي تلعب دوراً حيوياً في تعزيز المشهد الثقافي والاجتماعي في دولة الإمارات، ونحرص على أدائها في مناسباتنا، واستقبال ضيوف الوطن، كما أنها تلعب دوراً محورياً في إحياء الشعر التقليدي وحفظه، فما تزال «شلّات» الرزفة حاضرة في وجدان الثقافة الإماراتية، منذ عصور طويلة، ومستمرة كنبع لا ينضب، يمنح المؤدين إحساساً عميقاً بأصالة هويتهم، وفخرهم بجذورهم، كما يبدع شعراؤها اليوم في صياغة أبيات خاصة، تنسج بعناية، لتضفي على كل عرض من عروض الرزفة طابعاً فريداً، يميزها عن غيرها، إذ يحرصون على نظم قصائد مبتكرة ومخصصة لكل مناسبة، ما يضفي عليها طابعاً فريداً، يعكس روح الحدث».

ويضيف: «تحتل الرزفة مكانة مميزة بين فنون الأداء الشعبية، لما لها من جذور عميقة ومتأصلة في التراث الثقافي للدولة، هذه الأهمية البارزة، دفعت إلى التعريف بهذا الفن العريق، وتسليط الضوء عليه من قبل منصة اليونيسكو، التي تعد منبراً عالمياً لحماية تراث الشعوب، وفي ديسمبر 2015، أدرجت الرزفة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، ما عزز مكانتها كعنصر ثقافي مهم، يثري التراث الإنساني العالمي، ويعكس عظمة وثراء الثقافة الإماراتية».