محمد خان.. سينما تنبض بفرح الحياة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أول فيلم شاهدته للمخرج محمد خان كان «الثأر» زوج وزوجته يخرجان من إحدى دور السينما في وسط القاهرة ويتعرضان لهجوم يؤدى في النهاية لاغتصاب الزوجة. فيقرر الزوج الانتقام والثأر لشرف زوجته بطريقته الخاصة، يتتبع المغتصبين الذين كانوا يستقلون سيارة تمكن من التقاط رقمها، ويتوصل لعناوين منازلهم وأماكن عملهم، ويتمكن من الثأر منهم فرداً فرداً، ولكل واحد حكاية في فيلم اعتمد على الصورة وابتعد عن ثرثرة الحوار، وأصبح عملاً شديد التركيز، وفي نهاية الفيلم يكتب المخرج «الثأر ليس مجرد انتقام».

أداء رائع

كان الفيلم كافياً ليقيم علاقة بيني وبين مخرجه الذي لم أكن أعرفه، ولم أكن قد شاهدت له من قبل فيلماً آخر، لاحظت عليه العلاقة بالمكان، شوارع القاهرة وحواريها وأماكنها المختلفة، والتعمق في رسم أعماق الشخصيات، لعب دور الزوج في الفيلم الفنان محمود ياسين، وقدم فيه أداءً رائعاً، من المؤكد أن المخرج كان له دور أساسي في التركيز على أعماق الإنسان وما تتركه من آثار على وجهه، ورغم إغراء الفيلم البوليسي بسبب طبيعة موضوعه، فإن المخرج لم يجر وراء هذا الوهم، وركز على موضوعه وقضيته بشكل أخاذ، ومن يومها وأنا لا يفوتني فيلم يحمل اسم محمد خان سواء كاتباً للسيناريو أو مخرجاً.

ثم قضيت معه أياماً قبل شهور في الأقصر، عندما شاركت في الدورة الأخيرة لمهرجان الأقصر السينمائي الدولي للسينما الإفريقية، بدعوة من رئيسه السيناريست سيد فؤاد، كنا مع محمد خان، والمخرج مجدى أحمد علي، والدكتور محمد العدل، أقمنا في فندق ونتربالاس التاريخي، وكان من عادة محمد خان أن يتناول إفطاره ببطء وهدوء. ثم يخرج من المطعم الواسع الفسيح، ويتجه لصالون ليشرب قهوة الصباح، طقوس يحرص عليها، كان متحدثاً يسعدك حديثه مثلما تسعدك السينما التي يقدمها. في حديثه طفولة فيها بكارة الأشياء الأولى، ينتقل من موضوع لموضوع بسهولة شديدة، لكن السينما كانت نقطة ارتكازه التي إن ابتعد عنها لا بد أن يعود إليها مرة أخرى.

كان يبدو محملاً بالمشروعات التي لم ينجزها، تذكرت وأنا أستمع إليه عبارة الشاعر التركي ناظم حكمت، يقول فيها: «إن أجمل الكلمات هي التي لم نكتبها بعد. وأجمل الأيام هي التي لم نعشها بعد». تحدث عن مشروعين من مشروعات عمره المؤجلة، ولم أتصور وهو يتكلم ويحكي ببساطة أنه قد يرحل عن عالمنا دون أن يخرجا إلى النور.

تحدث يومها عن مشروعه «بنات روزا»، ولكنه ما إن بدأ يتحدث عن العمل الثاني المدون على أجندة مؤجلاته، فيلم «المسطول والقنبلة» حتى تنبهت. كانت لي علاقة بحكاية الفيلم. جاء ممدوح الليثي، عندما كان مسؤولاً عن الإنتاج السينمائي في مدينة الإنتاج الإعلامي، إلى نجيب محفوظ. وعرض عليه تحويل قصته القصيرة «المسطول والقنبلة» لفيلم سينمائي.

وقتها كانت في مصر حالة من الكساد السينمائي، فالإنتاج متوقف، والدولة المصرية تخلت عن دورها في الإنتاج السينمائي رغم أهميته داخلياً وعربياً وإسلامياً وفي إطار العالم الثالث والعالم الخارجي كله. وافق نجيب محفوظ، فقد كانت تربطه صلة عمل قديمة بممدوح الليثي، وكان يتفاءل بالتعاون معه، كل ما طلبه أن مكافأته عن القصة يحصل عليها أموالاً سائلة، فهو لا يحب التعامل بالشيكات، ولا يتردد على البنوك، وقد حقق له ممدوح الليثي ذلك.

ورغم أن موضوع القصة كان يصلح فيلماً سينمائياً مهماً وقتها، وما زال حتى الآن، إلا أنه لم يخرج إلى النور، وانتقل من مخرج لآخر حتى اكتشفت أنه رسا عند شاطئ محمد خان. أذكر أنه من الأمور التي عطلت الفيلم عندما طرحت فكرة أن يقوم عادل إمام ببطولته، وقد أعيدت كتابة السيناريو. ليتسع الدور الذي سيقوم به عادل إمام، ولم تخرج الفكرة للنور ولا أدري السبب.

أماكن مفتوحة

كان لدي يقين أن محمد خان سيخرج الفيلم من دائرة قصة نجيب محفوظ القصيرة، التي تدور حول شخص أدمن السكر، وعندما ذهب لمحله ليفتحه اكتشف وجود قنبلة فيه، وتتوالى الإجراءات الأمنية التي تنتهي بالتعامل معه باعتباره صاحب القنبلة، ولأنه شبه سكران لا يستطيع الدفاع عن نفسه ولا الخروج من التهمة.

ميزة القصة القصيرة أن أحداثها تدور في أماكن مفتوحة. حارة وشارع ومحل. ربما كان محل "مكوجي" إن لم تخني الذاكرة. وهذا هو ملعب محمد خان الأساسي، فالرجل دخل تاريخ الإخراج السينمائي من أبواب كثيرة، لعل أهمها هذا الولع بالمكان. خصوصاً شوارع القاهرة وحاراتها الخلفية وأحياءها الشعبية، وجعل المكان أحد أبطال العمل وليس مجرد ديكور تجري الأحداث فيه.

عندما أشاهد أفلامه كنت أعشق الأماكن التي تدور فيها الأحداث. ويذهب بصري إلى خلفيات ما يجري حتى أحاول تذوق عبقرية المكان المصري، كما يعبر عنها محمد خان. سينما خان كانت تشيع في الإنسان فرحة الحياة، وتترك لديه الإحساس بحب السينما وحب حياة المصريين الذين يظهرون في أفلامه. حزين لأنني لم أكتب عنه في حياته، أدمنا الكتابة عمن يموتون. وهي مأساة وأي مأساة؟!

كاتب ومحلل سياسي

Email