لم يخطر ببالنا يوماً أن تكون ثمة قلائد من العقيق الأحمر، تلك الفريدة في نوعها وجمالها، مدفونة في المدافن الأثرية المكتشفة في المواقع في دولة الإمارات، مثل: ساروق الحديد في دبي، منطقة الدور الأثرية في أم القيوين، مليحة وجبل بحيص في الشارقة، وفي تل الأبرق بالهيلي ومواقع الرميلة في مدينة العين، وأيضاً في مدينة دبا التاريخية وغيرها، ليتبين لي أن معظم أحجار العقيق، ومنها تحديداً التي في القلائد، كانت تتزين بها النساء حتى بعد الموت في مدافنهن، ولعل الغريب أيضاً أنه برغم مرور آلاف السنين، قاومت هذه الأحجار الكريمة تلك الفترة الطويلة حتى تم عزلها عن التراب بعد التنقيبات، فبان وهج أحجار العقيق بأحجامها المتفاوتة وأشكالها المتباينة.

بعضها يشتعل في حُمرة لونها الشفاف وعروقها المائية المضيئة، لتأخذني الفكرة إلى مدى تأثير هذه الأحجار في جسد الإنسان وروحه ومشاعره، وقدرتها على الصبر والبقاء منذ تلك القرون إلى يومنا هذا.

عالمية العقيق

لا شك في أن العقيق حجرٌ يمتد وجوده إلى كل أوطان العالم كافة، بأشكاله وألوانه المختلفة، والشاهد أن كل موطن اختلف في عطائه بشأن حجر العقيق وتكوينه الأصيل، لكنه، في كل الحالات، بقي الأكثر حضوراً واستخداماً بين الأحجار الأخرى منذ العصر البرونزي وإلى يومنا هذا.

وقد اشتهرت اليمن بها عند العرب، وكذلك منطقة سواحل البحر المتوسط، خاصة في جانب تكوينها الجميل الذي دخلته معادن شتى، وإن ذهبنا بعيداً فإن عقيق البرازيل والمكسيك وأستراليا والهند والصين، بألوانه المختلفة، أيضاً جاذب، لكن ما يعنيني هنا هو العقيق الأحمر الذي خرج من قبورنا القديمة وتم قطعه وتشذيبه كفصوص صغيرة رصعت بجانب بعضها البعض لصنع القلائد المتميزة، ناهيك عن الخواتم والأساور والأختام التي هي على هيئة أحجار وحفرت نقشاً.

الأصل والمرجح

اكتُشف بعض عروق العقيق في جبال رأس الخيمة التي ننتظر عنها دراسة بحثية في أنها كانت أرضاً جبلية يُستخرج منها العقيق، أو أننا حيال فكرة استيراده من الخارج وخاصة من الهند الشبيهة أحجارها بأحجارنا المكتشفة، وهي الأقرب والمرجحة، إن لم تكن اليمن. وأما كون ألوان ما لدينا من أحجار العقيق الحمراء المستخرجة متدرجة، فهذا بفعل أنها متغيرة ببطء مع مرور الزمن، في حمرتها، مع الهواء والشمس.

وجوده وتكوينه

ما لاحظته أن معظم قلائد العقيق المستخرجة من مدافن دولة الإمارات بينها فروق زمنية طويلة، لتتفاوت الحقبة بين الألف الخامس قبل الميلاد وبين القرن الثاني الميلادي، ليكون عمر وجود العقيق على أرضنا وفق هذا، ما يقارب الـ7200 سنة، وبرغم مرور كل هذا الزمن، فإن المادة الحجرية للعقيق ذاتها، بقيت واحدة، وكذلك رائحتها الزكية، ونحن نعلم أن معظم أحجار العقيق في بلاد العالم جوفاء إجمالاً، والأجوف قابل أن يتشكل منه الكريستال كما وضح الخبراء، وما دفعني للبحث والتساؤل عن هذا الحجر وما يحمل من معانٍ وحين كان قابعاً في جوف جباله وشقوقه الصخرية، الرغبة الملحة في معرفة كيفية تكوُّن رائحة المسك فيه وهو يتشكل بين طبقات الحجر وخطوطه وعروقه المظلمة قبل إخراجه.

تأثيرات العقيق الأحمر البركاني

يقيناً أن العقيق يتكون عبر الزمن في الجبال البركانية بين صخورها المترسبة بالضغط والحرارة، وأكد الجيولوجيون وجود الجبال البركانية التكوين في صخور جبالنا (أي جبال البحيص ودبا بالشارقة)، حيث كانت لها خصائص كيميائية معينة أشاروا إليها، إذاً نحن حيال هذا العقيق الأحمر المصقول الذي أخرجته لنا الطبيعة من عالمها بأشكاله الموحية للنمو والحركة، والذي خطوطه تبدو شبيهة بجذوع النبات الناعمة.

وطبعاً، يغفل أغلبنا أنها تثير في قلب الرائي الشفاء والراحة، خاصة منها تلك الأنواع التي وجدت في مدافن المواقع الأثرية في الإمارات، من مدافن الهيلي مروراً بساروق الحديد ومليحة وجبل بحيص وانتهاء بمدينة دبا. هذا الملمح الذي يتجلى، لا دراسات حوله، لكن كما نرى فإن العقيق متشابه لدينا، وما علينا سوى البحث والتخمين عن سر حب هذا الإنسان القديم للعقيق.

انطلاقاً من التجارب العديدة وفي شتى أنحاء العالم القديم الذي بات يؤكد شرقه وغربه أن كثافة حجر العقيق أقل من الأحجار الأخرى وبالتالي فإنه يعزز الاستقرار، ليحرص الناس على اقتنائه، وهذا ليس وهماً، فهو حجر كفيلٌ بامتلاكه والتزين به أيضاً لأن ميزة التردد البطيء في داخله تقوم بوقف اجتياح تيارات الهموم لنا ومداعبة المشاعر الحزينة، وأخيراً لسرية ما يقوم به العقيق من تحقيق التوازن بين الطاقة العاطفية والجسدية والفكرية، يذهب بعيداً في معانيه، ليؤكد الخبراء أنه يوازن بين القوى الإيجابية والقوى السلبية في الكون كله، لكونه يتطور باستمرار ولا ييأس في عطائه، إذاً هو حجر حي في خلاياه، ينبض لمرتديه ومتزينه، فتكرس فيه طاقته الحسية المؤثرة.

وقد حاز العقيق شعبية كبيرة في العالم القديم ليمتد في مفاهيمه إلى العالم الحديث، فالحجر ليس جميلاً فحسب، بل يقيناً أنه ليس بأصم، وكل تلك التفاعلات القادمة هي من جبال بركانية انبثقت هنا.

تمائم الأمان

استخدم الإنسان العقيق تميمة أمان يعلّقها في صدره طلباً للأمان علّها تعزز الاستقرار لديه والثقة بنفسه والشعور بالأمان، واعتقد الإنسان القديم أن لابسه لا يخاصمه أحد، كما آمن بقدرة هذه التميمة «العقيق» على تقريبه من النفوذ، أو منع تأثيرات السحر عليه، أو جلبه للعجائب. وبمرور الوقت نجد أن كل تلك الاعتقادات والأقوال قد كرست أهمية تأثيرات العقيق ومعناه في استخدامه كختم، لعلمه أن العقيق حجر بمقاييسه النبيلة والأصيلة وهو معطاء بلا شك.

وبين استخدام العقيق كزينة أو تميمة، فالمؤكد أن تلك المرأة النائمة في قبرها التي عثر عليها أثناء التنقيبات في الشارقة، وهي مرتدية مجوهراتها الكاملة من التمائم والأحجار الكريمة، لترقد بها آلاف السنين، تدل فيما تدل على أن تلك المفاهيم والاعتقادات حول قدرات حجر العقيق ومنافعه، راسخة وتبقى حتى بعد الموت، لذا كانت تزينهن حتى وهم أموات لكونها أحجاراً حافظة للأرواح الميتة، وهي تُبعث في العالم الأسفل بتلك العصور.

قراءة إيحاءات العقد

معظم القلائد السليمة التي وُجدت في القبور كانت متوازنة في دائرة الخيط أو السلك ومتساوية في فصوصها بين اليمين واليسار من حيث حجم الفص ولونه، حتى تهبط إلى وسط القلادة ومركزها، المتمثل في ذلك الحجر الأكبر أو الأغلى أو الأهم، وهذا ما يفعله مصممو القلائد في عصرنا: التباهي بالقطعة الأهم كي تكون على الصدر، أما إذا تربع حجر العقيق الوحيد في وسط القلادة فإنه وضع لحماية مقتنيه ولابسه عبر دفع السحر بعيداً، بينما الأحجار المتشابهة في تصفيفها، دون أن يتسيد حجر على آخر، فهي للزينة فقط.

رمزية أعداد فصوص القلادة

منذ أمد بعيد يشتغل الكثيرون في رمزية الأعداد، ونحن هنا في صدد الحديث عن القلائد، وأعداد أحجارها الكريمة، فلكل رقم معنى ودلالة، ويتمثل ذلك في أن فصوص القلادة المصفوفة والمتشابهة الثلاثة بين فصين مختلفين، ثالوث سماوي يمثل القمر والشمس والزهرة، وهي كواكب مرئية بالعين المجردة. أو أن تكون أعداد فصوص القلادة سبعة، وهو تمام الشيء، كما يعتقد، أو 12 لدلالة الرقم على الكمال الكوني في السنة الواحدة، أو الرقم 30 في عدده الشهري الشمسي، أو 27، وهي شهور القمر المضيئة، وإلى آخر تلك الأرقام المفسرة.

أقوال عن العقيق

العقيق، هذا الحجر الكريم الأحمر، قال عنه الجاحظ: «رائحته أقرب لرائحة المسك». أما أرسطو فقال: «أجود أنواع العقيق ما اشتدت حمرته وصفا لونه». كما صنف أرسطو أحجار العقيق من حيث ألوانها وجودتها ورداءتها ليعطي للأزرق والأسود الرداءة، في حين أن من أهم ألوان العقيق فاعلية هو اللون الأسود ذو الشفافية الحمراء إذا ما عرض على ضوء الشمس والمعروف في تسميته بـ«بشفة العبد»، وهو حجر اليمانيين. وعلى ذكرهم، فقد بنى اليماني شداد بن عاد قصره من حجارة تسمى «الجزع»، وهو نوع من أنواع العقيق.

حجر الأدباء وعلاقته بالإبداع

قيل الكثير عن حجر العقيق، لكن أن تذهب بعض الأقوال إلى تأثيره في الوعي وقدرته على بث الخيال عند الأدباء، ومساعدتهم على الكتابة التلقائية، فإن كل تلك الأقوال التي يؤكدها البعض، دفعت بالفيلسوف الجمالي الفرنسي روجر كايلوس إلى أن يبحث في موضوع تلك الأحجار وتأثيرها في الوعي المتغير للفرد وأعضائه الجسدية، بهدف البحث عن المعرفة.

أصر الفيلسوف على هذا البحث الذي انتقده الكثير من الأدباء والمعرفيين، معللين أنه يدخل الخرافات في تجاربه غير المدونة بعد الأساطير الأدبية، لكنه دافع عن بحثه العلمي، وأخذ يمضي فيه ويصر عليه لكونه محللاً اجتماعياً للطقوس والمعتقد قبل أن يكون أديباً وفيلسوفاً، وحجته الأخرى أن تلك الأحجار تعمل على التنبؤ بالعين المجردة، ليعرف قدرتها على المساعدة من خلال علم الأنثروبولوجيا، أي علم الإنسان لكن من جوانبه الحيوية والثقافية والاجتماعية.

25

قطعتان من حجر العقيق مشذبتان، وجدتا في مدينة دبا، في قبر غني بالموجودات. وتعودان إلى سنة 25 ق.م عليهما نقش غائر لرجلين بملامح رومانية.

1.2

فص من العقيق الأحمر وُجد في موقع الدور الأثري في أم القيوين، قُطره 1.2 سم. نقشت عليه صورة آلهة تحمل زوادة باستخدام عصا. ويميل لونه إلى الأحمر الغامق.

3000

عثر على عقد من العقيق يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد في هيلي بمدينة العين، أحجاره كثيرة وصغيرة ومتشابهة إلى حد ما، وأعدادها تصل إلى مئة.