أمس واليوم

متحف اللؤلؤ في دبي.. تاريخ الدانة الطبيعية في رعاية الأوصياء

■ اللؤلؤ الطبيعي من مجموعة سلطان العويس في متحف دبي | بعدسة: ريم الكمالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مبنى بنك «الإمارات دبي الوطني» المطل على مرآة الخور، وعلى طريق بني ياس بالقرب من بلدية دبي، يشهد طابقه الخامس عشر تاريخ اللؤلؤ العريق قبل انتعاش العقار وقبل ظهور النفط، أي حين كان يُشكل اللؤلؤ 95% من دخل إمارة دبي التجارية، تتناثر هناك أجمل اللآلئ في صناديق للعرض ومن الزجاج الآمن، وفي غرفة ثمينة المعنى والمحتوى تتحدث عن كنز حساس بوزنه الخام الذي يصل إلى 55 كيلوغراماً، مما يجعلها واحدة من أكبر المجموعات اللؤلؤية على كوكب الأرض.

لآلئ

حين كان اللؤلؤ الأبيض الطبيعي الجميل يعكس روح دبي وشريانها، ويمثل الجزء الأكبر من اقتصادها الوطني، ها هو يؤتى به اليوم إلى متحف اللؤلؤ في دبي ليعيد ذاكرة هذا الضوء العتيق بكميات هائلة وبمعداته التي استخدمها المغامرون لحصد أكبر قدر من المحارات التي تنام وتنمو في ظلمتها اللآلئ وهي على قيد الحياة، لنرى اليوم أكبر مجموعة على الإطلاق قد جمعها الراحل سلطان بن علي العويس، ليضعها في هذا المتحف كي نستمتع بهذا الكنز حتى يومنا هذا.

درر

المشي بين غرف المتحف يمنحك شعورًا مختلفًا أثناء العبور أمام ما لا يحصى من الأحجام والأنواع والصفات، ورغم أن اللؤلؤ في أصله العلمي والحي لا يعني سوى حيوان مائي رخوي يتكون في تلك الأصداف من رواسب صلبة ولماعة وناعمة ومستديرة، إلا أنها مع الزمن تأخذ في شكلها الدري ألوانًا متعددة في الخليج العربي بالذات، وبالتحديد في مياهنا الضحلة الكثيرة الطحالب، ليأتي أمهر الغواصين والتجار قبالة دبي مخططين للإتيان بها.

لا تباع ولا تشترى

الخطوات بين أروقة المتاحف معروفة لدى هواة المعرفة، إلا أنه في متحف اللؤلؤ الواقع في منطقة الراس بدبي تجربة مختلفة عن غيره، لكون ما نرى ليس بآثار ولا بفنون أو نقوش إبداعية تاريخية، إنما لآلئ طبيعية مستخرجة لم تأخذ طريقها إلى السوق والصاغة، لذا يندهش الزوار وهم يدخلون ويرون عددًا لا يعد ولا يحصى من اللآلئ بأحجامها الكثيرة جدًا، تلك المرغوبة منها والفائقة الجمال، لتصبح - كما قال الخبراء- أرقى مجموعة لا تباع ولا تشترى، قد تبرع بها الراحل سلطان بن علي العويس بعد أن استخرجها أفراد عائلته وسفنهم من مياه الخليج المالحة، وتصبح هنا في هذا المتحف وعند الأوصياء.

لؤلؤ وأدب

عائلة العويس المعروفة بتجارة اللؤلؤ جمعت الكثير، رغم أن ابنها سلطان العويس اشتغل في مجال الخدمات المصرفية الدولية وليس في صيد اللؤلؤ كوالده وأجداده، لارتباطه الشديد بالشعر وحبه للأدب، قام هذا الشاعر المتميز برعاية الثقافة بأنواعها، تاركًا الكثير من الجوائز السخية والمشجعة للإبداع محليًا وعالميًا.

متحفٌ في بنك

لا يزال مبنى البنك ومن خلف زجاجه يسلط الضوء على تاريخ المدينة، خاصة بعد اتحاد البنكين، بنك الإمارات وبنك دبي الوطني، واندماجهما عام 2007م، ليقام هذا المتحف في طابقه الخامس عشر، لا بلآلئه فقط بل باحتوائه على أهم مجموعات لأدوات الغوص والمعدات والخرائط وأدوات الموسيقى التي كانت تصاحب الغواصين، مرورًا بالميزان المصنوع من الحجر، وهو آلة لمعرفة المقدار من الثقل كان يستخدمها تجار اللؤلؤ، وكذلك صناديق خشبية احتفظوا فيها بأدواتهم عند السفر من أجل الغوص وصيد اللآلئ، تبقى تلك الصناديق التاريخية والمتقنة الصنع شاهدة على أنها كانت تحمل في جوفها ما يزيد على 50 كيلوغرامًا من اللؤلؤ.

الطبيعي والمزروع

أما اليوم فلا يصرح أحد هناك بقيمة الموجودات لأنها فعلاً لا تقدر بثمن، سواء اللؤلؤ الفضي منه أو الذهبي أو الذي على شكل دمعة أو كمثرى، فكلها بازغة ولا تقدر بثمن، وهكذا حتى تصل إلى الغرف الأخرى المحتوية على اللؤلؤ المزروع، أي من صناعة الإنسان ومنذ منتصف القرن العشرين، فيطلق عليه البعض اللؤلؤ الصناعي، وهو أقل ربحًا وأدنى جودة من اللؤلؤ الطبيعي، وذلك بهدف تثقيف الزوار حول اللؤلؤ المصنوع، الذي أدى إلى قلة الربح للؤلؤ الخليجي الطبيعي.

الدور الحيوي لدبي

كما يضم المتحف أروع قطع النقد القديمة التي استخدمتها الإمارات قبل الاتحاد، من عملات ورقية ونقدية ومسكوكات، لكن يبقى هذا العرض المذهل يستحق عناء الذهاب إليه، لكونه متحفًا يظهر ثروة مختلفة من البهاء تتعلق بالأوطان وبالناس الأثرياء وغير الأثرياء من الغواصين الذين كان لهم دور حيوي في تاريخ دبي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ومن سن العاشرة حين كان يتم تدريبهم على المراكب الشراعية، ويمس بقوة معيشة الأسر الإماراتية قديمًا وحديثًا.

ويتعرف الزائر في المتحف الذي لا يدخله مجانًا على كيفية اختيار جودة اللؤلؤ الأكثر قيمة حجمًا ونوعًا وشكلاً ولمعانًا، وكيفية اختيار التجار صفقاتهم آنذاك، وكيف يتم التصدير إلى المدن البعيدة، وكيف تفرق بين الطبيعي والصناعي المزروع... لكن الآن وبعد تلاشي أهمية اللؤلؤ الطبيعي مع ازدهار النفط والعقار، يبقى هذا المتحف الفاخر والمهم الذي لا تدخله بتذكرة بل بموعد، ليصبح وسيلة رائعة وهامة لاكتشاف تراث دبي وجمال هذا اللؤلؤ من حيث تكوّن وأتى، من مسكنه في ذلك المحار ومن حيث أعمق مياه الخليج.

الاعتراف بحق رجل أعمال ترك الكثير

سلطان بن علي العويس من أبرز المحسنين في تاريخ الإمارات، بعد أن تبرع بمئات الملايين من الدراهم لبناء أهم الدور، كالمستشفيات (مستشفى البراحة) في دبي، ومدارس وسدود في المناطق الشمالية بدولة الإمارات، لكن علينا الاعتراف بأنه ترك الكثير على مستوى الأدب، من جوائز محلية وعالمية، تكمن في جائزة العويس المحلية بفروعها الكثيرة، وجائزة سلطان بن علي العويس السخية والتي تقدمها لمجمل الأعمال الأدبية، ومتحف اللؤلؤ، بعد أن تبرع به ليصبح ضمان الذاكرة وشاهدًا لتاريخ أهل الخليج جميعًا.

اللؤلؤ الطبيعي بين اليوم والحفريات القديمة

استخدمت دبي اللؤلؤ أساسًا لتجارتها، لكن ذلك لم يمنعها من استخدامها كقلائد وأسورة، لتتزين بها السيدات، ومع ذلك فإن التاريخ القديم أثبت أن الزينة باللؤلؤ ليست وليدة العقود الفائتة فقط، بل إنها منذ آلاف السنين، خاصة بعد تنقيب قبر في إمارة أم القيوين يعود لـ 5500 عام واكتشاف لؤلؤة عند أعلى شفة الميت، وبالتالي هي أقدم لؤلؤة طبيعية أثرية على أرض الإمارات، إلا أن البعض يعود إلى حفريات البحيص بالشارقة، لقبر يعود إلى 7000 سنة، واكتشاف لؤلؤة طبيعية على أنف امرأة.

أساطير حول اللؤلؤة بين القمر والمطر

الأساطير عديدة حول اللؤلؤة، وقد صيغت عنها منذ آلاف السنين، لتقول إحداها: إن اللؤلؤة هي ابنة المطر، ولكونها قطرة مطرية عذبة هبطت في المحار لتتشكل هناك وتصبح دمعة بيضاء قبل أن تختلط بماء البحر المالح. أما الأسطورة الأخرى فتقول إنها ابنة القمر لا المطر، ولدت أثناء اكتماله ليتسرب المحار إلى سطح البحر ويستولي على ندى ضوئه الفضي.

ورغم ظهور التفسيرات العلمية والمنطقية لتكوين اللؤلؤ في عصرنا الحديث، تبقى الأساطير مسافرة في وجداننا وكأن في معناها وطناً آخر، وتبقى اللؤلؤة جميلة ويسعى إليها الكثيرون.

أسماء الخليجيات من أسماء اللؤلؤ

منذ القدم تداول الناس في دبي والخليج اللآلئ وتزينوا بجميع أوزانها وأحجامها، وتعرفوا على صفاتها، ليتورطوا مع الوقت في هوى الدرر، مع علمهم بقصصها الخطرة أثناء الغوص، ولتتحول اللآلئ بين الأيادي والعيون بوعي وهم يعون معنى الحياة فيها، بتفتيشهم في حجمها عن معنى الموت في عيون من استخرجها أثناء جلبها... حتى تعلقوا بها وخرجت الحكايات والأساطير حولها، الأمر الذي جعلهم يطلقون بعض أسماء اللؤلؤ عبر أنواعها ومراحلها التكوينية على بناتهم، من دانة وموزة وحصة ولولوة وقماشة واليكة والبدلة والقولوه... ودانة هي اللؤلؤة الكبيرة في الحجم، المميزة في عظمتها وقيمتها ولونها الذي يميل إلى الاحمرار، لتعادل لفظها الفصيح في اللغة العربية وتختصر بالفريدة، لكونها فريدة من نوعها.

وهناك اللؤلؤة موزة، وهي مشهورة بعدم استدارتها تمامًا، بل طبيعية في اعوجاجها، مما جعلها من انحناءاتها والتواءاتها تبدو مميزة، فكان الطلب عليها عاليًا من الفنيين التجار لصناعة العقود الكبيرة منها، ليبدو العقد الكبير أجمل بحبوبه الصغيرة الطبيعية والمعقوفة، وتُعد من أجمل القلائد المرغوبة للعرائس.

وأيضًا حصة أو الحص، وهو نوع من أنواع اللؤلؤ في مرحلة من مراحله، أما البدلة فتميل إلى الزرقة، والقولوه بلون الورد، واليكة ذات الاستدارة الأقل، ولولوة هي البيضاء تمامًا والكبيرة الحجم ليطلق البعض عليها الدرة، وكذلك قماشة وهي متوسطة الحجم، وتصنع منها القلادات الصغيرة للرقبة، مرورًا إلى أرخص أنواع اللآلئ من الفص أو الخشرة، وهي في أغلبها محشورة في الرمل بداخل الصدفة في حجمها الصغير جدًا، ولاصقة بالمحار.

2003

في هذا العام احتفل بنك دبي الوطني بمناسبة مرور 40 عاماً على تأسيسه، وبهذه المناسبة تم افتتاح متحف اللؤلؤ إهداءً لأهل الإمارات والخليج.

4

توفي سلطان بن علي العويس الشاعر ورجل الأعمال وأحد كبار تجار اللؤلؤ بالمنطقة في 4 يناير عام 2000، والمتحف تكريم له، بعد أن جمع كل تلك المجموعة، لتبقى أمانة في داخل البنك.

1963

تأسس بنك دبي الوطني في عام 1963، واندمج مع بنك الإمارات عام 2007 كخطوة لتعزيز الاقتصاد من الناحية المصرفية والخدمية.

Email