نجاة مكي: «الإمارات للفنون التشكيلية» مصدر إشعاع إبداعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتراءى البحر بزرقته الطاغية وحنين المراكب إلى المرسى لتحتفي بذاكرة الصحراء والبحر الجمالية في لوحاتها، هي الفنانة الإماراتية نجاة مكي التي هامت بالبحر والصحراء طفلةً قبل أن تزدحم المدينة، ومن خلال مراحل حياتها الفنية المختلفة أبدعت وأنجزت كثيراً من الأعمال، فهي الفنانة الحاصلة على الدكتوراه في المسكوكات بعد الماجستير في النحت والدبلوم والبكالوريوس في الفنون الجميلة، إذ كانت في مراحلها الأولى توظف العناصر التراثية والمعمار التقليدي ونقوش الأقمشة في أعمالها التي تقترب إلى التجريد.

بدايات

«البيان» التقت الفنانة نجاة مكي بجمعية الإمارات للفنون التشكيلية للحديث عن البدايات، فقالت: منذ نعومة أظافري كنت أهوى الرسم، وساعدني على صقل مهارتي أكثر البيئة التي تربيت فيها، حيث كنت أشاهد أخواتي يطرّزن الأشكال الفنية على القماش، كما كنت أراقب والدتي وهي تقف على شؤون حياتنا الخاصة.

في الواقع لقد ترعرعت في أسرة تفيض إبداعاً ودفئاً، وقد كان بيتنا قريباً من البحر والسوق في بر دبي، لذلك كانت مفردات الحياة أحد أهم العوامل التي عبّرت عن حركة ديناميكية مستمرة حفزت إبداعي إلى جانب منمنمات الزخارف والمعمار التراثي في المباني والأسواق التي كنت أشاهدها يومياً، ما ساعد على إثراء ذخيرتي البصرية.

مدلولات

وتابعت: كان يطغى على السوق الطابع الشعبي، وهو مختلف عمّا هو موجود الآن، حيث يضم سوق أقمشة وبقالة وجزارة وخبازاً والدكان الذي يبيع كل شيء، وهو ما يعرف الآن بـ«السوبرماركت»، مما أسهم في شحن ذاكرتي الإبداعية بالكثير من المعاني والمدلولات الشاعرية، وقد كنت أتولى شراء احتياجات المنزل من السوق وكطفلة كنت أمارس اللعب مع الأطفال في الفرجان القديمة والسكيك، حيث كنا ننعم بالمرح والسعادة، أما الحوائط فقد كانت مغرية للرسم والتشكيل على جنباتها بالفحم.

وعن بدايات بروز موهبة الرسم، أشارت إلى أن هذه الموهبة اتقدت في داخلها عندما دخلت المدرسة، حيث لاحظت مدرسة التربية الفنية أنها تميل إلى الرسم بطريقة تميزها عن زميلاتها، وبدأت توجهها نحو الاستخدام الأفضل لأدوات الرسم والتلوين، وأكدت أن تشجيع معلمة التربية الفنية هو الذي حفزها إلى الاستمرار في الرسم، ومنحها الدافع إلى مواصلة طموحها الفني، إذ كانت تكرر على مسامعها دائماً الدخول والتسجيل بكلية الفنون الجميلة.

الابتعاث الخارجي

وتسرد الفنانة نجاة مكي قائلةً: سافرت للدراسة في الخارج، وبدأنا كدفعة مع بعض الطلبة الخليجيين، وتلك الفترة كانت بالنسبة إليّ صعبة، ولا سيما أنني فتاة خرجت لتوّها من مجتمع محافظ يمنع الاختلاط بالذكور، إذ وجدت نفسي فجأة وسط طلبة من مختلف المشارب الفكرية في مكان واحد، وكانت تراودني دائماً مشاعر الخجل بشكل مستمر، ولم أكن أخرج من «الأتليه» إلا بعد أنهي التزاماتي الفنية وواجباتي.

وبعد فترة من الزمن، بدأت أتأقلم مع الزملاء والزميلات، وأنسجم مع طبيعة المجتمع، وفي الواقع كانت حقبة زمنية جميلة في القاهرة، حيث بادرت بتكوين صداقات عدة، واطلعت على ثقافات الفنون المتنوعة في الكلية، ودخلت المتاحف الكبيرة للتعرف إلى التاريخ، خاصة أن مصر حاضنة للكثير من الحضارات العريقة، وحضاراتها تهم الدارس والباحث الأكاديمي المتخصص، وخلال تلك الفترة زرت الكثير من الأماكن الأثرية، وتعرفت عن كثب إلى مومياء التماثيل، وغيرها من مفردات قديمة تحكي قصة التاريخ.

جمعية الفنون التشكيلية

وعن تأسيس الجمعية تقول: كنا نجتمع كفنانين مع بقية الطلبة الإماراتيين في نادي طلبة الإمارات، حيث تقام الأنشطة الثقافية والفنية، وعند عودتنا في فصل الصيف نلتقي في الجمعية التي أُسّست نواتها على يد مجموعة من الفنانين، من بينهم الدكتور محمد يوسف الذي كان يحرص على أن نظهر بأسرع وقت ممكن، لنكوّن كتلة متجانسة تناقش الأفكار مع مجموعة من الفنانين العرب، مثل حيدر إدريس وجمال عبد البديع وعبد اللطيف المنوفي، إذ كان همنا الوحيد هو إيجاد مظلة واحدة تجمعنا.

وبدأنا ككتلة فنية هدفها وطموحها يتمثل في تطوير الفن التشكيلي، وأطلقنا العمل في الجمعية عبر تنظيم معرض شارك فيه كل فنان بأسلوب ورؤية خاصة، إلى جانب مجموعة من الفنانين العرب والأجانب، ثم أطلقنا خطة لتطوير المعارض.

وتتابع: بمكرمة سامية من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تحقق حلمنا بتأسيس الجمعية التي أصبحت مصدر إشعاع إبداعي، وإلى جانب وجود الجمعية في الشارقة، كانت هناك في دبي جمعية دبي للفنون التي أُسّست من قِبل عدد من الفنانين العرب والأجانب.

وفي هذه الأثناء، وكان الشيخ أحمد القاسمي شاباً طموحاً، يحرص على الحضور في الجمعية، وكنا نتحاور في كيفية تطوير الجمعية، لأننا أحسسنا بالمسؤولية بعد أن منحنا صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، المقر، وأطلقنا المعرض الأول، وفي كل إنجاز كان حاكم الشارقة يثمّن جهودنا، ما زاد حماس الفنان الإماراتي والمقيم، كما كانت تجمعنا كلمة واحدة، هي أن ننطلق من أجل الفن.

اللوحة صورة سينمائية مفعمة بالأحاسيس

رداً على سؤال «البيان» عن طقوسها في رسم اللوحة الفنية، أشارت إلى أنها تبدأ تنفيذ العمل عندما يحتدم الصراع الإبداعي بينها وبين ذاتها الداخلية، وعادةً يكون المنتج النهائي ليس كما تريده، إذ تعكف على إعادته مرات عدة، وتقول: اللوحة كالصورة السينمائية، فاللقطة التي يأخذها المخرج توازي ما يرسمه الفنان، كما يجب أن تكون هناك شخصية رئيسة وشخصية موازية لها وشخصية أخرى.

حيث يرسم الفنان عناصر وليس شخصيات فقط، لذلك أحتاج إلى جرعة تركيز عالية عند الرسم، وعندما يختل التوازن أفقد أعصابي، ولا أفضّل التحدث مع أحد، ويمكن أن أنفعل على كل من يقطع تسلسل إحساسي ومشاعري المنسدلة على اللوحة.

واستشهدت بمشاريعها الفنية التي تنفذها، فعندما تضطر للسفر إلى الخارج تنقطع سلسلة أفكارها، وعند رجوعها تحتاج إلى فترة زمنية حتى تعود إلى خضم مشروعها الفني الذي بدأته، وتفضّل نجاة مكي العمل في فضاء هادئ، وأوقاتها المفضلة للرسم هي الفجر، وأحياناً تستمع إلى الموسيقى، كما أنها لا تحبذ التحدث خلال تنفيذها العمل الفني.

وأشارت إلى أنها في السابق كانت تشارك في إطلاق ورش عمل فنية في الأسواق العامة أو المراكز التجارية للتسوق، إلا أنها واجهت تحدياً في ضعف تركيزها على تنفيذ العمل الفني بسبب الضوضاء، لكنها تعلمت مع مرور الوقت كيف يمكن للفنان أن يكتسب مهارات تمكنه من الإبداع الفني، وسط حشد كبير من الناس أو الأطفال.

رموز العملة

وأكدت الدكتورة نجاة مكي أن شغفها تجاه العملات بدأ منذ الصغر، إذ كانت تحرص على تجميع الصكوك المعدنية، وبعد إنهائها الماجستير في مصر واطلاعها على حضارة المصريين انطلقت إلى مربع آخر، وهو العملات، انطلاقاً من شغفها بمجال النحت البارز، وذلك عبر الأبحاث العلمية.

وتابعت: عندما بدأت البحث في هذا التخصص، اكتشفت أن تخصص العملات مجال واسع، وعليّ أن أحدد ماذا أريد بالتحديد حتى لا أضيع، والتقيت بخبراء وبمقتنين للعملات المعدنية، منهم خبير العملات الإسلامية عبد الله بن جاسم المطيري.

كما زرت الكثير من المتاحف، وتحديداً في دول الخليج والمتحف الإسلامي في الشارقة وعجمان، وعبر تصريح رسمي استطعت الاطلاع على مجموعة من العملات المعدنية النادرة عبر المواقع الخاصة لبعض الأفراد والمؤسسات، وبدأت أبحث بعمق في تاريخ العملات، ومن خلال بحثي المستفيض عرفت أن العملات ليس لها جانب تاريخي فقط، بل ديني وثقافي واجتماعي، لأن واضع رموز العملة يجب أن يكون فناناً واعياً بدلالات الشعوب الثقافية.

وأشارت إلى أن العملة وسيلة إعلامية لإخطار الناس بآخر الأحداث الدائرة في المشهد السياسي في الماضي، حيث كان الشعب يعرف الحاكم الجديد عن طريقها ومراحل تغييره، كما التقيت بخبراء في مجال العملات وتاريخها، وبعدها تعمقت في البحث العلمي في العملات اليونانية والرومانية والإسلامية، وجميع أنواع العملات في دول الخليج العربي، وبعض نماذج العملات الحديثة.

العلاج بالفن

خاضت الفنانة نجاة مكي تجربة علاج أطفال متلازمة داون بالفن، إذ أكسبتها التجربة العديد من المهارات، أهمها الصبر والهدوء، وعن ذلك أكدت أنها تطوعت لمساعدة المرضى بالتعاون مع سونيا الهاشمي، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لمتلازمة داون، التي اقترحت منح مكي دروساً في الفن للمرضى المصابين بالمرض، وفعلاً أطلقت الورش العلاجية للمصابين التي أثبتت فعاليتها مع مرور الوقت ..وللسنة الخامسة ما زالت تعمل معهم.

وعن أهم العوامل التي ساعدت مكي على رسم خط يميزها، أفادت أن الاستمرارية هي العامل الرئيس الذي ألهمها التميز عبر السير في طريق واحد، إذ إن الفنان يسير على ضوئه نحو الهدف الذي يرمي إلى تحقيقه، وبعد فترة من البحث والتجريب للفنان أحياناً قد يقع المبدع في صراع فني بينه وبين اللوحة، وإلى الآن يحتدم هذا الصراع ليخرج العمل الفني إلى الوجود.

حدث فني

تم إطلاق بينالي الشارقة الأول للفنون من قِبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهو ما منح الفنانين دفعة أقوى إلى النجاح، وكان لوجود مجموعة من الفنانين في الجمعية دور كبير في دفعها إلى الإمام.

وتقول مكي: بينالي الشارقة حمل الكثير من الأعمال العالمية، ويعد حدثاً فنياً مهماً، ونقلة كبيرة للفنان الإماراتي، فقد نجح في إحداث حراك وانعطاف كبير في مفهوم الفن المحلي، فبدأت تظهر الجماعات الفنية، وهي قنوات أفرزها البينالي، ووفر روافد مهمة في الحركة التشكيلية في الإمارات، وكان المجمع الثقافي في أبوظبي يوازي هذه الحركات، وهكذا رويداً رويداً زاد ترابطنا الفني.

وأوضحت أن بينالي الشارقة كان له الأثر على الفنانين، فأحدث تغيراً كبيراً في حياة الفنانين، عبر إبراز أنماط عدة من الفنون.

 

 

Email