أمس واليوم

الأبجدية العمانية الأولى.. اكتشاف خط السحتن الخارج من الوديان

■ وادي سحتن حيث تحفل الصخور بالنقوش والرموز الأثرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بلا شك أن اكتشاف الحروف القديمة إضافة كبرى للبشرية، لأهميتها الكامنة في توضيح ما سبق من التاريخ الفكري للإنسان، لتبقى الكتابة هي أهم ما قام به في تاريخه للتعبير عن كينونته من خلال الكتابة عن المشاهد القصصية والذاتية، أو للتفاهم، وأياً كان الأمر فإن له أيضاً قبل الكتابة محاولات كثيرة لرسم الخطوط، فينقش فكرة ليرمز إلى مفهوم، ويرسم صوتاً «حرفاً» بهدف الاستدلال على المنطوق.. وكل ذلك سعياً منه لتحقيق حضوره وإقامة النظام والوضوح تجارياً وسياسياً في تلك المجتمعات الأولى.

خط وادي سحتن

في سلطنة عمان تعرف الباحثون في عام 2009 إلى خط أبجدي قديم في وادي سحتن التابع لولاية الرستاق العمانية، حيث رُسمت هذه الأبجديات على صخور الوادي الذي كان يوماً طريقاً للقوافل التجارية القديمة بين البحر والصحراء وما وراءها. في العقود الماضية وقبل التغيير المناخي كان قطعة من الجنة في لونه الأخضر طوال العام، بسبب هبوط الشلالات منه وغزارة الماء فيه، ليظل مكاناً جاذباً للحضور، والمتمثل في القوافل المجتمعة في هذا الوادي النابض بالحياة وفي مواسم تجارية معينة، ليربط العالم القديم ببعضه بعضاً من خلال الطرقات التجارية التي لا بداية لها ولا نهاية، لتلف الأرض من وإلى، وتنقل البضائع بأشكالها وأنواعها.

الأبجدية العمانية

خرجت أبجدية سحتن فجأة للعيان، لتعبر عن حروف منقوشة على صخور تقع عند مضيق مائي صغير بين الوديان، ظلت الرسومات الصخرية المختلفة باقية كبقية الفنون الصخرية القليلة الموجودة في العالم، وقد ظهر لفظ الفن الصخري في الأدب العالمي منذ نحو سبعين عاماً، لتشير إلى رسومات كُشطت على الصخر، وفي وادي سحتن، وبعد هذا الاكتشاف لحروف متفردة عن باقي الأبجديات، وبعد أن قام الباحث العماني المعروف حارث الخروصي بنقلها وتوثيقها، تمت تسمية خط السحتن بالأبجدية بالعمانية.

أبجديات جزيرة العرب

في جزيرة العرب عدة أنواع من الأبجديات القديمة تم توثيقها بشكل رسمي عالمياً بعد اكتشافها، أشهرها الأبجدية المسندية، والأبجدية الثمودية «النبطية»، واللحيانية التابعة لمملكة ديدان، التي تأسست قرب الحجاز عام 366 قبل الميلاد، بالإضافة إلى الصفائية «الصفوية». أما في عمان فلم يتم التعرف إلا على بعض الحروف في وادي الخروصي ووادي بني عوف، وهي شديدة الندرة. إلى أن تم اكتشاف أبجدية خط السحتن ليبقى استثنائياً، ويتم تسميتها بالأبجدية العمانية، لأنها منفردة عن باقي الأبجديات التي تمت دراستها في الجزيرة العربية وإن قاربت بعض حروفها الحروف الثمودية.

قراءة ومقارنة

ولم يستطع الباحثون معرفة عمر هذه الأبجدية، لكنها بلا شك تعود إلى ما قبل الإسلام بكثير، وبقى الطريق الوحيد أمام الحارث الخروصي هو مقارنتها بالكتابات والأبجديات الأخرى، لا بالتحليل الكربوني أو سواها تلك المتخصصة في الصخور أو مواد البناء نفسها ولا في الحروف المكشوطة والمرسومة.

تبدأ أبجدية السحتن من اليسار إلى اليمين، عكس الأبجديات الأخرى في جزيرة العرب التي تبدأ من اليمين إلى اليسار ومن الأعلى إلى الأسفل، كما أن أبجدية السحتن كُتبت في فترات مختلفة وبوساطة أشخاص مختلفين، فبدا من الصعب تحديد الأقدم منها والأحدث، لكن بشكل عام يتراوح عمرها بين الألف الثالث إلى الألف الأول قبل الميلاد.

في البدء كان الخط طلسماً حتى تمت قراءته، لتخرج كلمة «فسح» أو «فشخ» ويصبح الاختلاف بين حرف السين أو الشين في وسط الكلمة هو حرف يسمى سامخ، وهذا الحرف ما زال مستخدماً في اللهجات العربية الجنوبية كاللهجة المهرية واللهجة الشحرية، وعلينا التنويه أيضاً إلى أن اسم القرية الآن هو فسح أو فشخ، الواقعة على مضيق الوادي، وهو اسم قادم من العالم القديم.. وهكذا حتى تم ترقيم الخطوط إلى أرقام تحمل رمز السحتن لاستنباط كل حرف بسماته الخاصة ثم مقارنتها بأبجديات الجزيرة العربية لنفس الفترة.

ليبقى هذا الإرث سجلاً إنسانياً وتاريخياً مهماً، وجزءاً من هوية المكان والمنطقة، وإعلاماً من الأجداد بما كان لديهم من تجارب جمالية أرادوا لها أن تبقى أزلية عن طريق الكتابة على صفحات الصخر.

خط السحتن الأول

نكتب الآن بخط الجزم، وهو كما نعلم شائع ومتطور بقواعده الواضحة، إلا أنه في سلطنة عمان، وكما أشرنا ثمة خط قديم هو خط السحتن الذي يتكون من خطوط عدة بعد أن تم تقسيمها كما يلي: خط السحتن الأول: والذي يتكون من 12 حرفاً، ويتكرر الحرف الأول والثاني وهو الظاء بين الحروف، والتكرار كما لاحظ الباحث الحارث الخروصي وإن جاز له ذلك، كان لأغراض صوتية مختلفة.

ثم يأتي الحرف الثالث وهو الصاد ليتكرر هذه المرة لثلاث مرات، وهذه الحروف هي حرف الظاء والصاد اللذان يتجهان من اليسار إلى اليمين.

خط السحتن الـ 2 والـ 3 والـ 4

ويتكون من أربعة حروف، الأول والثالث لا يتطابقان مع أي أبجدية قديمة إن قارنا بينهما، لكن بالمعاينة فإنه من المحتمل أن يكون خطا السحتن الأول والثاني، خطاً واحداً، فثمة تناسق بحجم الأطراف، مع اختلاف بسيط بحفرة الكتابة. أما الثالث فيتكون من 9 أحرف، فيظهر التشابه بينه وبين الحروف الأربعة لخط السحتن الرابع، لتظهر مع بعض حروفها رسومات ليحي الإنسان من خلالها عن نقلته الحضارية في التعبير، من الرسم إلى الحرف، ومن البصر إلى الصوت، بالكتابة أمام الرسم كترجمان ببدايات هذا الانتقال.

خط السحتن الـ 5 والـ 6 والـ7

خط السحتن الخامس ذو الـ 4 حروف، تظهر كسابقيها مع كل حرف من حروفها رسم لحيوان مختلف بهدف للدلالة على الحرف، ليخرج خط السحتن السادس بحروفه الـ 19 وهو من أجمل وأوضح الحروف على الإطلاق، وهي فترة متقدمة قليلاً، لكن ومع ذلك لم يظهر فيها حرف الغين وحرف الحاء.

وأخيراً خط السحتن السابع والذي يحتوي على 5 أحرف، لنكتشف مع هذا الخط مدى المقاربة والتشابه في بعض حروفها مع الحروف الثمودية الواقعة في شمال الحجاز.

لوحات فنية وخط «الحلحل»

للوحات الفنية على الصخور دلالات خاصة، فهناك الإنسان الذي يحمل السيف والترس ويلبس الإزار، وهناك نقوش للقوافل التجارية واتجاهاتها، وبالطبع هناك رسومات أقدم وغيرها أحدث، لتؤثر في بعضها عوامل التعرية، لكنها كلها ذات تعبير جسدي واضح، بين ممارسة العبادة أو الفروسية، ويصبح المغزى من كل لوحة صخرية مختلفة عن غيرها، فثمة خيل رسم بأرجل توحي بأنها تمشي بتؤدة، كما يقول الباحث العماني حارث بن سيف الخروصي الذي تعاون مع عالم إنجليزي في فن الصخور يدعى بيتر سايكس، البالغ من العمر 73 عاماً، ولديه 61 كتاباً في الفن الصخري عن تنزانيا وتايلند والهند وغيرها، وكان متفاجئاً حين أتى لعمان سائحاً باكتشاف كل ذلك الكم الكبير من الرسوم الصخرية.

واكتمالاً لموضوع اللوحات لصخرية، فقد تم العثور على خط جديد من قبل المواطن العماني حمود الحلحلي، لينتسب الخط إلى اسم قريته حلحل، وهو من سكان ذات المنطقة، فيُعرف بخط «الحلحل»، ليكتشف جُرماً كروياً يحمل في داخله 24 جزءاً مع إطاره الداخلي المربع يشبه الحرف الإنجليزي إم، وتتكون هذه الأبجدية «حلحل» من تسعة أحرف تشترك مع خط السحتن في سمة كتابتها من اليسار إلى اليمين وفي انتشار رسومات لحيوانات حول الحروف التي كشطت عن طريق الأحجار المسننة فوق تلك الصخور النارية والرسوبية.

وأخيراً فإن تلك الأبجديات المكتشفة ما زالت بحاجة إلى دراسة لأنها لم تكتب جزافاً، بل لأسباب مهمة نجهل الكثير حولها.

2009

في هذا العام اكتشف الباحثون نقوشاً قديمة على صخور وادي سحتن التابع لمدينة الرستاق العمانية، ليتضح بعد بحث وتفكيك ومقارنة أنها كانت الأبجدية العمانية الأولى.

7

تم تقسيم الخط إلى سبعة خطوط، ليصبح لكل خط عدد من الحروف، ما سهل على الباحثين ترتيبها ومقارنتها وتفسيرها من الأقدم إلى الأحدث.

19

خرج خط السحتن السادس بحروفه الـ 19 وهو من أجمل الحروف وأكثرها وضوحاً على الإطلاق، وهي فترة متقدمة قليلاً، رغم عدم ظهور حرف الغين وحرف الحاء فيه.

Email