قضيت خمسة أيام في دبي. سافرت لتسلم جائزة سلطان العويس في الرواية، لكن الجائزة تخرج عن سياق ما أكتبه. تصادف وجودي في دبي مع مثقفين أشقاء عرب. ولأننا عندما نلتقي يصبح الكلام وسيلتنا للتواصل الإنساني، جمعتني جلسات. توقفت بعد عودتي أمام بعضها، لأنها خرجت من سياق النميمة والحكايات الشخصية لتناول قضايا عامة. ربما كان مفيداً للقارئ أن أدونها لأنها تمس قضايا خاصة بالنسبة لمثقفين يعانون من هموم الإبداع.

وأصل الحكاية أن الدكتورة وجدان الصايغ. وهي مثقفة عراقية، وأستاذة للنقد الأدبي، كانت معنا هناك. فهي لها دور في لجان تحكيم جوائز سلطان العويس. بعد سنوات من عناء النقد الأدبي والدراسات الأدبية فكَّرت في كتابة رواية. وبدأت فعلاً في معاناة التعامل مع النص.

كُنا أربعة: طالب الرفاعي، القاص والروائي العربي الكويتي. والناقدة وجدان الصايغ، وشريف الجيار، الناقد الأدبي العربي المصري.

كانت القسمة عادلة بيننا: كاتب هذه السطور وطالب الرفاعي يكتبان الرواية. وجدان الصايغ وشريف الجيار، يمارسان نقد الرواية. والنقد الأدبي الخلاق الذي يعيد خلق النص من أول وجديد يكمل العملية الإبداعية. وبالتالي فإن الرواية عندما تبدأ من الفكرة أو الإحساس وتصل مع مبدعها إلى عملية الكتابة. ثم لا يفصل بينها وبين النقد غير النشر.

في التراث العربي القديم يقولون إن النقد تبيان المحاسن والعيوب. ولكن كل ما في الدنيا تطور، وأصبح النقد مكملاً للعمل الإبداعي. هذا إن قام به ناقد خلاق. ولا يكتفي بربط القارئ بالنص أو دفعه لقراءته، لكن الناقد الحقيقي هو الذي يعيد خلق النص مرة أخرى أمام القارئ، وعملية إعادة خلق النص ربما أصبحت دافعا حقيقيل لانتشار النص ووجود أكبر عدد من القراء له.

تجارب

حكى طالب الرفاعي تجربته مع كتابة النص الروائي منذ روايته الأولى وحتى روايته الأخيرة التي كانت معه في رحلته إلى دبي. وتكلم شريف الجيار عن تجربته مع نقد الرواية. خاصة في رحلته الأميركية التي درس فيها النص الروائي الأميركي. ولديه مقارنات كثيرة بين كتابة الرواية في أميركا وكتابة الرواية في بلادنا. شريف الجيار لديه تجربة واسعة في قراءة ومتابعة الرواية ونقدها، لكن انشغالات شريف العامة في دوره العام ربما لا تمكنه من التوسع في كتابة ما لديه.

قلت لوجدان إن المبدعين – خاصة في الإبداع الروائي – نوعان، نوع يتكلم عن عمله وهو يكتبه ويتوسع في الكلام. وهذه العملية ربما كانت ضارة ومضرة للمبدع؛ لأنه يخرج مشاعره وأحاسيسه عند الكلام عن النص الذي يكتبه. وعندما يجلس ليكتب لا يجد ما يدونه على الورق. وهناك من توقف عن الإبداع بسبب التوسع في الكلام عما يبدعه، ولا داعي لذكر الأسماء.

ونوع آخر لا يتحدث أبداً عما يكتبه. يعتبره قضيته الشخصية. كان نجيب محفوظ يبلغنا أنه انتهى من النص، بما في ذلك اختيار عنوان له. وأنه جاهز للنشر، ثم نتحدث معه عنه خلال عملية نشره مسلسلاً في الأهرام. وربما كانت هذه هي الطريقة المثلى للتعامل مع هموم ومشاكل العملية الإبداعية.