حين رفع الإنسان البدائي يده ليخط الرسوم الأولى معبراً عن الخطر المحيط به، مجسدا صور بعض الحيوانات المتوحشة التي تعترضه، محذراً غيره من الناس، لم يكن يدرك أن أعماله تعلن عن بداية ميلاد فني، وهكذا عرف الإنسان الرسم قبل أن يعرف الكتابة.
وبقيت رسومه التي خلفها شواهد على تاريخ حقبة أزلية، مازالت ترتاح بثقة أزلية على جدران المغاوير مثل مغارة «التاميرا».
إنها البداية التي استمرت بالتطور عند اكتشاف الأشياء المدهشة التي تتركها الخطوط والرسوم، مدفوعة بالخيال، ليحقق الإنسان أشكالا واضحة، أو غير واضحة، إنه عالم لا ينتهي من تداعيات الصورالمختلفة التعابير، ليشكل بفنه الحضارات التي تنمو بمفاهيم الإنسان ومعتقداته، فالمنحوتات الفرعونية القديمة تدل على التأمل معبرة عن عقيدتهم الدينية، وإيمانهم بالخلود، ولم تخلُ منحوتات الرومان من الحركات الرياضية، ويظهر هذا في البنيان القوي للجسد الروماني.
وما بين زمن البدايات مرت قرون طويلة، ابتعد فيها العرب عن التصوير ليتنفسوا رائحة الحرية من جديد، عندما ظهرت أول مدرسة للفنون الجميلة في مصر في بدايات القرن العشرين، وحينها كتب عنها الفنان جيروم لابلان قائلا: «إن فكرة إنشاء مدرسة للفنون الجميلة نمت، عندما لمست استعدادا فنيا عند بعض الموهوبين من الشبان، فعرضت الفكرة على الأمير يوسف كمال، فوافق على إتمام المشروع على نفقته الشخصية، وخصص لها أحد قصوره».
بينما تطور الفن في بقية الدول العربية، عندما ظهرت العديد من المبادرات الفردية لبعض الفنانين، الذين أقاموا جسورا للتواصل ما بين الفن العربي الحديث، والفن الأوروبي، من خلال الكثير من المعارض التي أقيمت في أنحاء العالم.
والآن نتساءل بعد مضي قرن من التجربة لفن تضرب جذوره في الأزل، وبعد كم من المعارض التي لا تعد ولا تحصى، وبعد تألق العديد من التشكيليين العرب، وبعد كم اللوحات التي تحيطنا من كل صوب، هل ظهر جيل يهتم بالتشكيل قادر على رؤية ما وراء اللون والموضوع؟
بالمقارنة نرى أن جمهور السينما، أو التلفزيون، أكثر دراية بآليات العمل السينمائي، ونجومه، من معرفة المهتمين بالتشكيليين، أو غيرهم من المبدعين في الجوانب الأدبية والمسرحية، مما يعزز الثقة بأنه عصر الفنون التي يسوق إليها إعلاميا بلا منازع، ولن يشفع للتشكيل كونه الفن الأول في تاريخ البشرية.
Abeer_younes@hotmail.com
