الكلام هو جوهر الإنسان نفسه، لكنه في ذات الوقت خطر عليه، خاصة عندما ينساق المرء إلى الأحاديث اليومية، و يصل بكلامه إلى مستوى اللغو، وهذا ما يجعله في بعض الأحيان يتراجع عن الصدق، وينتقل أحيانا أخرى إلى التأويل، والإدعاء، وبهذه الطرق وغيرها قد تصل عبارته، وأحاديثه إلى المراتب السفلى.

فهل يمكن أن يساوي الإنسان ما يساويه كلامه؟ إن كان هذا حقا، فهل نسمح لأنفسنا بالقول إن هناك الكثير من البشر قد لا يتساوون بشيء.

البحث في الخفايا يجعلنا نشعر كم يمر من حياة الكثيرين، من الناس على الهامش. هامش ما يقولون، خاصة إن جاء بعكس ما يفعلون.

لمَ لا في زمن تتسع مساحاته لتستوعب الكثير من التناقضات، الذي يُفهم أحيانا بأن الصمت ربما يبدو موقفا، لكن هذا التلون غير المسؤول، خاصة إن كان المتحدث في موقع يتطلب منه أن يكون مسؤولاً عن كلامه، ويدافع عنه ربما.

ولنعتبر أن الكلام يجسد بالكتابة، أي يوثق ما يعبر عن وجهة نظر داخلية، وعميقة لكاتب أو شاعر ما، فما يحدث أن الكلمات تتشبع، أحياناً كثيرة بالازدواجية ما بين القول والفعل، بين الكلمات المشبعة بالإنسانية، وبين التصرف البعيد عن الإنسانية، فمن سيحفظ لهؤلاء تناقضاتهم في كلامهم، وفي النهاية ماذا يساوون، هل يساوون ما يكتبون؟ أم ما يفعلون؟

المواضيع التي يناقشها بعض المعنيين، أو المبدعين، تبرهن أحيانا أنهم يعتبرون عقول الناس ما زالت في طور النمو، وربما يعتقدون إنهم قادرون بعباراتهم، أن يقدموا ما هو مقتنع، وأن أحدا لن يناقش أفكارهم المجسدة بكلمات يقولونها في بعض المحاضرات والأمسيات، بالاستناد على قناعة مسبقة بالتلاعب اللفظي ومن خلاله قادرون على الدفاع عن كلامهم، إن تجرأ أحد الحضور.

وناقشهم بضحالة معلوماتهم، إن هذا يعكس العبارات المتداولة «هل هناك من يقرأ» وبالتالي من يعرف ويناقش لو افترضوا مسبقا أن الناس تقرأ، وأنها أذكى مما يتصورون، لكانوا قد تعاملوا بطريقة أكثر إقناعا، بل واختفى بعض المدعين الذين ينتشرون في كل مكان، ويكبرون لعدم وجود من يحاسبهم على الصح والخطأ.

وللأسف يطال هذا الإدعاء حتى المعلومات الموثقة تاريخيا، كل هذه المظاهر وغيرها، تساهم في انتشار الكلام غير مسؤول، حتى و إن كان كلاما مكتوبا، ليشكلوا في النهاية حالة من الانسجام مع بعضهم البعض، عبر ما يقدم للمشاهد والمستمع والقارئ.

فلو أنهم افترضوا تعاملهم مع جمهور عارف ومدرك، لقدموا أشياء مختلفة، عن تلك الأشياء التي تساهم باتساع رقعة اللامعرفة واللامسؤولية، وكل هذا ناتج عن كلام يجسد بخطط و فعاليات غير مسؤولة.

ما يحدث يجعل السؤل كبيرا، متى يصبح للكلام وزن حقيقي مهما اختلفت مراتب الناس، ومراتبهم؟

Abeer_younes@hotmail.com