حين قالوا للشاعر التركي ناظم حكمت ذات مرة، إن أشعارك قد ترجمت إلى لغات عدة. قال: «لم تعد أشعاري، إنها أشعار المترجم الذي ترجمها».
وبهذا أوضح حكمت حقيقة يدركها الكثيرون. إذ قال أحد الأدباء الذين يترجمون الكتب العربية إلى الفرنسية أو العكس «إن الترجمة كتابة أخرى للنص».
فالكثيرون من الأدباء المترجمين، يجدون أنهم يقومون بأشياء أخرى إلى جانب الترجمة، مثل التنقيح والتعديل، والتكييف بعيداً عن الجمل الأصلية للنص، التي لا تحتمل معناها الحقيقي، إن ترجمت بشكل حرفي، فيأتي هذا التدخل في الكثير من الأحيان كي لا تبدو ضعيفة أو غريبة، عن الصيغة المترجمة.
إلى جانب ما ذكر، تعترض المترجم حين يترجم من العربية إلى لغات أخرى الكثير من التناقضات، التي لها علاقة بالقناعات التي يؤمن بها المجتمع، مثلاً حين تترجم كلمة المطر إلى لغات أخرى كما ذكر أحد الكتاب، تفقد معناها، فالمطر الذي يرمز في اللغة العربية إلى الخلاص والخصوبة، والنعمة، يعتبر في الغرب شيئاً عادياً ومزعجاً أحياناً باعتباره حدثاً شبه يومي، ولهذا تبقى أنشودة المطر للشاعر بدر شاكر السياب غير واضحة.
وقد تبدو الدور التي تنشر النصوص الأدبية باللغة العربية غير مهتمة، بمراجعتها، وينتج عن هذا نوع من الخلل سواء اللغوي، أو السردي، وقد اشتكى الكثير من كبار الكتاب من المشاكل مع بعض دور النشر التي تتدخل لتغيير النص الأصلي، أو ربما عدم الاكتراث بتدقيق النص، ويترتب على هذا أن يقع المترجم بمأزق لا يحسد عليه، يتطلب منه إعادة تحرير النص من جديد، وتظهر هنا أهمية معرفة المترجم بثقافة المجتمع الذي يتحدث لغة معينة، وكيف عليه أن يعيد تقديم أفكار معينة بأسلوب لا يسيء إلى النص الأصلي.
هذا بالنسبة للترجمة إلى لغات أخرى، أما بالنسبة للترجمة إلى العربية، فنجد أن الكثير من المثقفين العرب يرجحون مترجماً على آخر، في حال كان الاثنان قد قاموا بترجمة نفس الكتاب، وذلك لتفوق واحد عن الآخر في مجال الترجمة.
من ناحية الصياغة والبلاغة، والثقافة، فمعرفة الكاتب بتقاليد ومصطلحات الشعب الذي يستخدم اللغة التي يترجمها، تساعده كثيراً في تقديم كتاب جيد للجمهور.
ومهما كانت الانتقادات التي تتردد في الساحة تبقى الترجمة محاولات جادة لنقل آداب، وعلوم البلدان الأخرى، وكما هو معلوم أن الكتب المترجمة قليلة، بينما اجتهد الغرب على ترجمة علوم العرب واستفادوا منها وطوروها، ولهذا تأتي مشاريع الترجمة التي تبنتها دولة الإمارات، محاولات جادة ومنظمة، لرفد الثقافة العربية، والجمهور العربي بأهم الكتب التي تحتاج أن ترى النور في لغتنا العربية.
