«الغرافيك» حوارية تداعب البصر ببساطتها، وتعقيدها في ذات الوقت، إذ تستقر أعمال الغرافيك في تناغم جذاب بين الأبيض والأسود.
وإن حقق «الغرافيك» أو فن الحفر وجوده بالشكل العملي، لكنه بقي من الفنون التي لم تلق الدراسة الوافية، كما حدث مع فن التصوير، علما أنه تطور، وتأثر شأنه شأن باقي الفنون بحركات الفن الحديث، وانتشرت اللوحة الغرافيكية في كل مكان،
مع العلم أن منتجي هذه اللوحة لم يكونوا بالضرورة من فناني «الغرافيك» المختصين، بل كانوا يعملون في مجالي الرسم، أو النحت، مثل بيكاسو، أو سيلفادور دالي وجون ميرو وغيرهم. من الذين استقرت أعمالهم الفنية في المتاحف العالمية.
كل ما أنتج يدل على تطور هذا الفن بعد استخدامه قديما كرسوم توضيحية بين صفحات الكتب، بينما أتاحت له التقنيات الحديثة، الكثير من الإمكانيات للتجريب والتعبير بمرونة من أجل الحصول على نتائج مرضية،
وكما هو الحال في القديم استمر في الوقت الراهن، استخدام فن الحفر في صناعة الأختام. سواء أكانت خشبية أو معدنية لكنها تحمل ما تحمله فكرة الغرافيك من اختصار. إنه الزمن البصري الذي نستطيع أن نقرأ من خلاله الصورة، مختزلة، فشعار الكثير من الشركات، أو الاتحادات أو غيرها.
تستقر في كل مكان منفذة بوساطة فن الغرافيك، وتحتمل أن تقدم بالأبيض والأسود، لما لهذا الفن من خصوصية بحيث لا تؤثر الألوان عليه لما يملكه من قوة في طرح الفكرة، التي تتناسب مع الطرح غير الملون، وهذا الطرح يعمم في الكثير من فنون سواء فن التصوير الضوئي،
أو الكاريكاتير الذي يحتمل الأبيض والأسود ومن بينهما من درجات أكد العلماء الروس على «انها تصل إلى ألف درجة رمادية يقدر الإنسان أن يميزها بعينه المجردة». تقنية استخدام الأبيض والأسود، وما ينتج عن مزجهما، توحي بثقة الفنان وقدرته على إيصال أفكاره دون الاعتماد على ألوان أخرى، لتأتي كالقول الواضح الذي لا يحتمل التأويلات،
فالخطوط المنحنية والمستقيمة التي تشكل التكوين جاءت نتيجة استخدام الفنان لطرق الطباعة البارزة، أو الغائرة، وتعود هذه الطرق إلى عهد الآشوريين، الذين استخدموا الأختام المطبوعة من الطين، مجسدة رموز السلطة في ذلك الزمان،
بينما ازدهرت أشكال أخرى في الشرق الأقصى، فقد عثر في الصين على أقمشة مطبوعة يدويا بواسطة رسوم بارزة على الخشب، تعود إلى القرن التاسع الميلادي، أما أقدم لوحة مطبوعة تحمل تأريخا في الصين فهي لموضوع بوذي يعود إلى سنة 828 ميلادية.
ومن قبل ذلك الزمن وفن الغرافيك يزدهر، وهذا ما يدل على الحالة الإبداعية التي رافقت البشر منذ الأزل، ويدل أيضا على أننا ما زلنا نستخدم بعض الأشياء، التي وإن تطورت لم تتغير كثيرا، رغم مرور آلاف السنين، إنها قدرة مذهلة على الإبداع حققت الاستمرارية، تدفعنا للقول ربما وراء الكثير من الأشياء التي نستخدمها قصص نحتاج للبحث عنها.