قال أحد المنتجين في المؤتمر الدولي لتمويل الإنتاج السينمائي الذي أقيم على هامش فعاليات مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي الأول في أبوظبي: «إن إنتاج الأفلام الروائية تتطلب ميزانية كبيرة لا تتطلبها نوعيات أخرى من الأفلام».
يعيد هذا إلى الذاكرة أسماء الروايات التي تحولت إلى أفلام، و منها رواية «طبل الصفيح» للكاتب الألماني فان غونتر الذي كان آخر الأدباء الذين حصلوا على جائزة نوبل، وهناك عناوين أخرى لروايات مهمة بقيت في الذاكرة، قبل أن تتحول إلى عمل إبداعي آخر، في عالم السينما مثل ذهب مع الريح لمرغريت ميتشل، وزوربا لكازنتزاكيس، وشيفرة دافنشي لدان براون.
كما يبرهن هذا الكلام الذي قيل، إن الإنتاج الفني الضخم، يتناسب مع أهمية الرواية، فالرواية لا يمكن أن تكون حالة عابرة، في عالم الإبداع لذلك كان من الصعب أن يستمر في كتابتها أنصاف المبدعين ، لأنها نزيف يومي، هاجس يسكن الفكر يحركه، بل يهدم ويبني في أوقات كثيرة، ليصل إلى قناعة بهذا العالم الذي يعيد صياغته،
ربما يحتاج الروائي حينها إلى قراءة الكثير عن فكرة عابرة أو أساسية يحب طرحها من خلال روايته، يقرأ عن كل شيء ربما، كالفيزياء أو غيرها من العلوم البحتة، لأنها تحتمل المزيد من المعلومات، الموظفة، التي لا يمكن تجاهلها، لأنها تعبر عن الحياة وفي الحياة كل شيء يمكن ويجوز.
هذا العمل الأدبي الضخم الذي ينسج على مهل، ربما يحتاج مرات ومرات إلى إعادة، أو حذف فكل تلك الصفحات الغالية، التي سكبها على مراحل ربما يمزقها الكاتب، لأنها لم تعد مقنعة بعد أن تجاوزها بصفحات جديدة ، وقادته الكتابة إلى كتابات أخرى، أفكار استجدت، وأفكار نضجت، وأحداث ربما قلبت العالم الذي يكتب عنه.
لهذا لا يمكنها أن تكون دفقه واحدة كالقصيدة، بل هي تدفق متواصل، رغبة بالنهاية، واللانهاية، طفل ينمو، ولا يراهن أهله على سلوكه، عبور من ضفة إلى أخرى، إنها حنايا القلب الذي ينزف، روح تخلق وأخرى تزهق، إنها من الكاتب وعليه، قناعاته وضده، رؤيته للجمال والقبح، ونعود للقول كل شيء ممكن لأنها الحياة برؤيته استمدها من حياته ربما، ومن حياة آخرين، وكل ما هو مباح ومتاح.
فكيف بعد كل هذا للمتسلقين أن يستمروا في عالم الرواية، فالكاتب ربما لا يكون هو المسيطر على وقائع حياته الواقعية، ولهذا تسير باتجاهات مرسومة، أو تحدث فجأة، لكن في عالم الرواية عليه أن يسيطر على كل الحياة التي وضعها لا شيء يمكن له أن يكون بالمصادفة حتى وإن كان بالمصادفة، فكل كلمة يجب ان تصاغ بمهارة،
وكل تلك الكلمات والأحداث تنتهي إلى الخيوط التي يمسك بها، وتؤرق نهاره قبل ليله. فإن يفلت الخيط من يده ربما يؤدي إلى تهدل الخيوط الأخرى وبالتالي تفقد الرواية الكثير من أهميتها، لأن الرواية لا تشبه الحياة أحيانا، بل هي الحياة مرة أخرى.
