(لا أستطيع أن أكتب عن دمشق دون أن يعرش الياسمين على أصابعي)، هذا ما كتبه الشاعر الراحل نزار قباني في مقدمة ديوانه ( دمشق مهرجان الماء والياسمين)، واصفا عشقه لدمشق بقوله: (أنا مسكون بها حين لا أسكنها).

دمشق سيدة المدن، يسكنها التاريخ، وتسكن الناس، تغنى بها محمود درويش وغنت لها فيروز، أغرت الرسامين فدخلت أزقتها القديمة وبقايا أبوابها السبعة لوحاتهم.

المتأمل في زوايا مساحاتها، يتوقف عند المسجد الأموي، منذ أن كان معبدا وثنيا، لجوبيتر ثم تحوله إلى كنيسة، إلى أن يستقر مسجدا، يجمع في أروقته وحجارته، الفنون المعمارية للعصور المتعاقبة عليه.

تتعانق القباب والمآذن القديمة في دمشق، تحت سماء شديدة الزرقة، يتحداها الغيم ببياضه، ويكون أشكالا فنية تظهر وتتلاشى، تتسارع وتتباطأ، هناك يطير الحمام حرا في مداها، حيث يتناوب الماضي والحاضر في سرد الحكايات. تتناثر الحكايات في أقدم عواصم التاريخ، تهرب من بين حاراتها، لتتكسر على قمة جبل قاسيون، الذي يحتضن المدينة بثقة أزلية.

في دمشق.. يزهر الياسمين، ويطرق الحرفي نحاسه على مهل، وينسج الحائك (البروكار، والأغباني) بهدوء ليثبتوا للعالم، ان ما اشتغل به الدمشقيون منذ عهود ما زال يشغلهم، ويشتغلون عليه. مدينة بهذه الحميمية، يتناثر ماؤها فيطرب القلب.

دمشق لا تترك لنا مجالا للتساؤل: هل كتب الشعراء لها قصائدهم، أم كانت هي القصيدة، هل غنوا لها أم كانت هي الأغنية، هل رسموها في لوحة، أم كانت هي اللوحة المتجددة على مر العصور. دمشق، مدينة تكتبنا ولا نكتب عنها، نعيشها ولا تعيشنا، ملايين العيون ترنو إلى مواطن جمالها منذ الصباح حتى المساء، حيث تخبئ أبناءها في الليل، ليخيم على مساحاتها صمت الملوك ورهبتهم، وتبقى الحكايات تُنسج على مهل من وراء أبوابها المغلقة.

دمشق، حكاية مدينة يتجدد فيها التاريخ، يشب ويشيخ ويولد من جديد، وعبر تحولات سنينه، يخلف آلاف الأسماء في الذاكرة، ويبقى لدمشق اسمها. دمشق التي تهز جدران الصمت، لتصبح عاصمة الثقافة للعام 2008 ، هزت التاريخ من قبل، سكنت صوت فيروز وهي تشدو ما أبدعه الأخطل الصغير حين استحضر بردى، حيث الذكريات تجري مع مائه.

مر بي يا واعدا وعدا، مثلما النسمة من بردى/ تحمل العمر تبدده/ آه ما أطيبه بددا/ رب أرض من شذا أو ندى، وجراحات بقلب عدى/ سكتت يوما فهل سكتت/ أجمل التاريخ كان غدا.

Abeer_younes@hotmail.com